منقول
عتبة جديدة في الفيزياء تطل على كون بخمس عشرة بعداً
بقلم خالص جلبي
السيدة ليزا راندل (Lisa Randall) بكتابها الجديد عن الممرات الملتوية وحل ألغاز أبعاد الكون المخفية ( Warped Passages. Unraveling the Mysteries of the Universe,s hidden Dimensions) تنضم إلى قائمة النساء العظيمات، كما فعلت من قبل روزاليند فرانكلين التي أماطت اللثام عن الكود الوراثي ، لتموت بالسرطان لاحقا عن عمر 38 سنة، في الوقت الذي سرق آخرون جهدها ليحصدوا جائزة نوبل.
واليوم في ألمانيا يقام معرض بعنوان أخوات آينشتاين (Einstein Schwester) في تدشين أسماء 19 من النساء العظيمات اللواتي أبدعن في العلم وغمط حقهن. والعلماء إن لم يتحلوا بحلية الصدق والدأب كانوا أقرب للتجار، كما رأينا في فضيحة العالم الكوري الجنوبي (هوانج وو سوك Hwang Woo Suk) الذي سرق بويضات العاملات ليزعم الاستنساخ الإنساني وهو بعيد عنه بعد المشرقين.
والسيدة راندل من جامعة هارفارد يخال من يقابلها أنه أمام رئيسة أقسام المبيعات في سوبر ماركت، ولكن طاولتها كما وصفها من زارها، من النظافة بمكان مما يجرؤ جراح أن يجري عليها عمليته. وعندما تتحدث في الفيزياء النظرية عن الأبعاد والكون المخفي والكواركز تشد الجمهور بجاذبية فاتنة.
وأمامها حاليا مواعيد مزدحمة لمواجهة الإعلام خارج عمل الجامعة وصالات الأبحاث.
بدأت القصة مع هذه السيدة الذكية قبل ثماني سنوات، حينما كانت قافلة عائدة من مؤتمر عن الأوتار الفائقة في الفيزياء الذرية، واحتمالات وجود أبعاد تفوق ما قاله آينشتاين عن البعد الرابع (الزمان ـ المكان)؛ ففي الثمانينات من القرن الفائت وصل الفيزيائيون إلى حقيقة مفزعة عن عالم يذكر بما قاله الفيلسوف باسكال الفرنسي منذ القرن السابع عشر، عن نهايتين لا تكفان عن التمدد، الأولى إلى اللانهاية كبرا، والثانية إلى اللانهاية صغرا.
ونظرية الأوتار الفائقة تقول إن مكونات الذرة ليست بروتونات والكترونات وبروتونات، ولا حتى الكواركز الذي يكون البروتون، ولكنه يتناهى في الدقة إلى مليارات المرات، ليصل إلى شيء اسمه الأوتار الفائقة، وهي تجمع فائق للطاقة. ويتم الكشف عنها من خلال الذبذبات والمعادلات.
وتصورا من هذا النوع يصيب الإنسان بالدوار في رؤية جديدة للعالم، ليس بأبعاد تسعة كما تصورها أكثر الفيزيائيين إغراقا في التخيل، بل تزعم راندل أنها ربما 15 بعداً، ومثل هذا الأمر لا يمكن (تصوره) بسبب تركيب دماغنا، بل يمكن (تعقله) من خلال معادلات رياضية فائقة، وهي ما تعمل عليه السيدة راندل.
والعالم الذي نعيش فيه ليس نهاية المطاف، بما فيها معلوماتنا عن مجرتنا التي تضم 100 مليار نظام شمسي، من أصل 100 مليار مجرة، بل هو عالم من عوالم شتى لا يعلمها إلا هو، وهي تذكر بفقاعات الصابون التي يطلقها الأطفال من لعبتهم، فعالمنا هو واحد من عوالم كثيرة، وكل عالم له قوانينه التي تحكمه بشكل خفي موازي.
والسيدة راندل تتفاءل أنه مع تركيب المسرع الذري الفائق (السيكلوترون LHC) في جنيف عام 2007م حيث تتسارع البنى دون الذرية بسرعة تقترب من الضوء، ثم تصدم مع بعض لتحصيل جزيئات أدق حجماً، تتفاءل أنه يمكن الوصول إلى جزيئات نوعية مثل (الكالوزا Kaluza) التي ستثبت مزاعمها.
وفي مقابلتها المطولة مع مجلة الشبيجل الألمانية (4\2006) التي طرحت عليها 33 سؤالا وصفت تلك العوالم السحرية (Branes) بأنها أقرب إلينا من حبل الوريد، وأن العالم الذي نعيش فيها مرتبط بشكل القوى للجزيئات والكتل، فإذا كانت القوى هناك مختلفة فستكون الحياة فيها مثيرة للغاية، وهي مفاهيم تجمع بين الفيزياء والتصوف.
وفي السؤال الذي طرح عليها عن إمكانية ارتطام هذه العوالم معا وانسحاقها أبدت احتمالية هذا مع رعب.
وأهم ما يشدها لهذه الأبحاث إمكانية تأثيرها على عالمنا بصورة وأخرى، كما أن طرق القياس لتأكيد هذه المفاهيم، بما فيها المسرع الفائق الذي يجرى البناء عليه حاليا في أوربا سوف يقود لنفي أو تأكيد هذه التصورات الفائقة.
وراندل لا تريد وضع تصور نهائي إيديولوجي جديد للعالم (Formula)، بل دفع حدود العلم إلى حوافه القصية، وتقول لا أعتقد بوجود مثل هذه الصياغة، ولكنها درس بالغ أن نبحث عنه، وهي تذكر بحكمة الفيلسوف ليسنج عن الحقيقة، أنه لو وضعها الله في يمناه، ووضع الشوق الخالد للبحث عن الحقيقة في يسراه، والخطأ لزام فيها، ثم طلب أن يختار الإنسان أحدهما؟ فيجيب ليسنج إنني أجثو ضارعا وأطلب اليسرى لأن الحقيقة النهائية لله وحده.
كون بخمس عشرة بعدا، وعوالم موازية لا تكف عن التشكل مثل فقاعات الصابون في لعب الأطفال (Multivers)، وأوتار فائقة الدقة أصغر من كل تصور تجمع الطاقة، وسيكلوترون سوف يهشم الذرة إلى أبعاد مخيفة يستولد منها جزيئات لم نسمع بها بعد.
هل هي عتبة جديدة للفيزياء النووية؟ تجيب راندل نعم ولتعلمن نبأه بعد حين.