لمن نكتب الشعر:
هذه خواطر لا أكثر خطرت لي وأحببت أن اطرحها عليكم فان أصبت فمن الله وان اخطات فمن نفسي وأنا لست بالمختص في النقد واكرر إنما هي خواطر :
للشعر منذ القدم احترامه عند العرب بل هم امة الشعر والبلاغة والبيان وعبر التاريخ كان الشاعر يحتل مكانة معينة في المجتمع العربي فهو لسان الحال الذي يصور الأحداث والوقائع وهو المنافح عن القبيلة وهو الذي يصوغ الاهتمامات الاجتماعية والإنسانية بمتناقضاتها في صور شعرية فالشعر هو الذي وصف الشجاعة والكرم والوفاء وخلد أسماء حامليها وهو أيضا الذي وصف الظلم والمجون والملاهي والمكر والخداع لذلك كان ديوان العرب.
وباختصار كان الشعر مجلة الحائط التي تعلق عليها الاخبار المرتبطة بالنشاطات الإنسانية في المجتمع بكل منازعها ومن هذا اكتسب الشاعر أهميته بين الناس لأنه يخبر الناس بما يدور ويحدث ولأنه يطرب الناس بالقول بطريقة يسهل حفظها وتحرك المشاعر بتراتبيته الموسيقية المعبرة عن الدفقات الشعورية لدى الشاعر وترهف حس المتلقي وتسهل عليه استيعابها .
وهكذا فان الشاعر اكتسب مكانته من الناس لأنه يعبر عما في صدور الناس ولم يستطع اخذ هذه المكانة إلا المجيدون من الشعراء في التعبير عن هموم المجتمع وهذا يلزم أن يكون لديهم اللغة المقبولة والجرس المناسب والوضوح في الفكر.
وبتقديري فان هذا مستمر حتى الوقت الحاضر والناجح من الشعراء هو الذي يتلاءم مع اللحظة الاجتماعية التي يعيش فيها ويستخدم شاعريته في غرض الشعر المناسب لتلك اللحظة .
وإذا قلنا إن الشعر في تقدم أو في جمود فان المقياس هو تفاعله مع الظرف الاجتماعي المحيط ولو نظرنا الآن إلى الواقع لتبينت لنا بعض المؤشرات:
خطر لي مرة أن انظر في واقعنا الأدبي والشعري منه بشكل خاص ودخلت إلى بعض المواقع الأدبية وهو ليس الواحة طبعا وأجريت إحصائية بسيطة على عدة صفحات من العناوين الشعرية فوجدت أن نسبة تزيد عن 50% من العناوين هي قصائد عن الحب والعشق والهيام و والباقي للأغراض الأخرى
وحتى لايظنن احد أني متزمت أو إنني احارب هذا الغرض من أغراض الشعر فاني أقول لا ولكن المشكلة تكمن في النسبة فإذا كان الشعر يعكس صورة عن واقعنا فان هذا يعني أننا امة كل أمورها تسير بشكل ممتاز وإننا امة من العشاق الحالمين ولا ينقصنا شيء أو إن الشعر في واد وهموم المجتمع في واد وهنا المصيبة .
المؤشر الثاني هو هذه النزعة الرمزية التي تحول الشعر إلى رموز وغموض ربما نفس الشاعر الذي كتبها لا يستطيع أن يشرحها مرتين متطابقتين وهو معذور لأنها طلاسم اقتنص لها تيار معين اسم الحداثة وخطفه من مضمونه الحقيقي ويعتذر بأنني اكتب الشعر لنفسي مع أن المنطق يقول إن من كان يكتب الشعر لنفسه فيجب عليه أن لا ينشره والمجتمع ليس بحاجة لسماع أحاديث الشعراء مع أنفسهم وإنما هو بحاجة إلى من يتحدث إليه ويلهمه .
المؤشر الثالث ظاهرة التمرد على الأوزان والقوافي وهي الميزة الوحيدة للشعر عن باقي النثر البليغ الذي ربما كان بعضه اشد بلاغة من الشعر بكثير ولكن تميز الشعر بوزنه وجرسه فإذا تحلل الشاعر من هذا الجرس فليكتب نثرا ويسميه نثرا أما أن يشتهي اسم شاعر وبدلا من أن يرتقي بإمكانياته إلى مرحلة الشعر فانه يعسف الشعر ليتلاءم مع إمكانياته المحدودة في هذا الميدان وربما تكون عالية في ميدان اخر ويسميه شعرا فان هذا هو الظلم بعينه.
اكرر ما قلته في البداية هذه خواطر مطروحة للنقاش ولم اقصد منها أن تكون دراسة فهي ليست دراسة ولا هكذا تكتب الدراسات .
تقبلوا تحيتي