قل ما نعير بعض الأشياء أهمية ، ونعتبرها هامشية المنطق الصوري ، ولا نتوقف عندها ، لأسباب قد لا تعنينا . لكنها في الحقيقة ذات مدلولات كبيرة ، فلا يصح تجاوزها . فالحكاية أننا نقرأ في الوجوه انعكاسات ضمنية لسلوك واضح ، فمثلا :
قد يترآى للبعض أن شيئا ما يمكن أن يتكون نتيجة حالة مفروضة ، لاستمرار الوضع بشكل متكرر .. دون تغيير ولو جزئي في نمطه .
أذكر على سبيل المثال :
رأينا شخصا ما .. يجلس على كرسي في ركن ما ، وبوضعية ثابتة .. وبعد عدة أيام نرى الشخص ذاته .. يركن إلى نفس المكان وبالوضعية السابقة ــ لا تغييرــ وبشكل عفوي ارتسمت تلك الحالة وبشكل مستمر دون أن نلحظ أي جديد .. بغض النظر عن ماهية الحالة وأسبابها . تكون الصورة التي رسمها العقل ضمن حسابات مرقومة أن هذا الشخص يستكين لما هو عليه ــ وهذا خطأ ــ لان الحالة تؤدي إلى تراجع ملحوظ في النشاط الفكري ، وخمول منظمات الحركة الجسدية ، التي تشل مقومات النشاط الفيزيولوجي للجسم .
هناك العديد من هذه الحالات بشتى الصور والأشكال ، فهذا يمثل عدم التطلع إلى الارتقاء نحو أفضل النتائج بتغيير السلوك . فكل الحالات المشابهة تنحصر في نطاق ضيق .. بلا طموح ولا أمل .. قانعين بما هم فيه دون زيادة أو نقصان . ورغبة في الحصول على تفسير لهذه الحالات ، أجد أن أهم مسبباتها أن الإنسان قانع بما هو فيه .. ولا يعلم أن هذا النط السلوكي يؤثر بشكل مباشر على قدرته الإنتاجية فكريا ، وعمليا.
إن التغيير في نمط السلوك اليومي ضروري جدا ، كي تتجدد خلايا القدرة على العطاء ، مثلا :
إذا كنت تركن إلى وضع معين برؤيا ثابتة ، ومنظور واحد للصورة التي تراها .. بدون تجديد ، فإنها تنعكس على السلوك الخاص ، وتتكون رواسب تراكمية لنفس الصورة ، تشل من القدرة على الاستيعاب المتجدد لاحقا ً، لأنها أصبحت ثابتة في العقل والتفكير . فعندما تتبدل الصورة المنظورة بشكل متلاحق ، ومتتالي ، يقوم العقل بتنشيط الذاكرة للحصول على مكونات جديدة للرؤيا ، مما يؤدي لتنشيط كل الخلايا المساهمة في إنتاج القدرة على التجديد .
ومن الأمثلة الأخرى المنعكسة على سلوكياتنا : هي العلاقة الزوجية ، وما يترتب على بياناتها سلبا أو إيجابا ...
هنا اعرض حالة قد تكون متمكنة في مجتمعنا ، والتي نهى عنها ربنا عز وجل .. ألا وهي الاستبداد والتسيد في فرض حالة غير مرغوبة أو مقبولة من قبل الزوج أو الزوجة على حد سواء .. فالرجل الذي يقوم بشكل قسري ومستمر بمعاملة الزوجة بشكل سيء ، لابد أن تؤدي إلى رد الفعل الذي يؤثرعلى مقومات الحياة الزوجية مما يؤدي إلى فشلها ، لان صورة الحالة متكررة وثابتة.
وبالمقابل أيضا نجد أن بعض النساء يركنون إلى فرض سلوك محدد ودائم على الزوج أو الأولاد ــ التأنيب الدائم ، والصراخ المستمر ، ورفض كل مبادرة من الطرف الأخر، بسبب أو بدون سبب ، فقط من اجل التسيد وفرض الرأي ــ تضعهم في حالة من اليأس بسبب استمرار هذا النمط السلوكي ، مما يؤدي إلى شلل تام لكل مقومات القدرة على تخطي الحالة .. لعدم وجود صورة أخرى فيها نمط آخر متباين يسمح بالمقارنة ، لإعطاء الفرصة المناسبة للقبول أو الرفض . فيبقى الحال على ما هو عليه بالنسبة للرجل أو المرأة على حد سواء . فلا جديد ينشط العلاقة الأسرية بأي شكل من الأشكال
وهذه النمط يرتبط أيضا بمكونات الأداء في العمل .. بين الشكل الواحد المتراكم ، وبين إيجاد حالات متجددة للوصول إلى نتائج أفضل ..
نستخلص من هذا ... أن الصورة الواحدة ، والرؤيا الثابتة في منظور الحياة لواقع الأداء .. تسبب الإحباط ، وتشل القدرة الإنتاجية للعقل والفكر معا .. وبتغير بسيط لذلك المنظور في النهج السلوكي ، تتبدل كل الأمور ، وينشط الفكر ، وتزداد القدرة الإنتاجية .
من تلك الصور المتراكمة والتي تتطلب مراعاتها مثلا : إجراء تعديلات في ترتيب الأشياء ضمن البيت أو المكتب أو العمل .. بنقل كرسي أو سرير أو لوحة جداريه أو باقة ورد بشكل دائم ودوري ، توحي دائما بان هناك تغيير ولو جزئي لكنه يقضي على التراكمات الثابتة .
الأم في البيت عندما تقدم الطعام للعائلة يجب أن تبحث عن طريقة تتجدد فيها الصورة الأدائية لتقديم الطعام ، والطفل أيضا يجب أن تقوم الأم بتغيير بعض الأشياء الخاصة به.. مثلا: عدم وضع جميع الألعاب بين يديه .. تقوم بطرح بعضا منها .. وبتبديل مستمر .. ليشعر الطفل أن هناك شيئا جديدا . العين ترصد الصورة وتثبتها بالذاكرة وتبقى محفوظة .. فإذا لم تتبدل تحتل حيزا كبيرا من الذاكرة تؤثر بشكل مباشر على نفسية الطفل وسلوكه . وفي حال التغيير ترتاح العين ، وتتبدل الصورة .. مما يؤدي إلى إجراء مقارنة أو محاكاة الأشياء التي رأتها العين تساهم في تنشيط الذاكرة بشكل مستمر .
هناك العديد من الأمثلة اليومية ، والصور العديدة التي يتم رصدها في كل زمان ومكان . وبسهولة يتم تغيير النمط السلوكي للمنظور المرئي لأي صورة بإجراء تبديل بسيط في احد مكوناتها ، وهذا لا يتطلب أي جهد ، أو وقت .. وإنما على العكس مجرد التفكير بالتغير هو بحد ذاته منشط للقدرة الإنتاجية الفكرية والعملية.
البحث في هذا المجال واسع وشيق ، فلسنا سوى أداة تحاول الحصول على نمط سلوك متجدد يمنحنا القدرة الكاملة على استمرارية الحياة بما يتوافق مع متطلباتنا بنشاط وحيوية ، ومع قدرتنا على العطاء بشكل صحيح ، مؤمنين أن الله هو الذي منحنا العقل والقدرة على التفكير السليم ، والتخلي عن التخاذل والخمول ، وإحياء الآمل المتجدد دوما.