ماذا فعل لكم عمر ؟ !
أصبح الناس في أيامنا هذه يلصقون كل ما هو سيء بعمر بن الخطاب ، زعما منهم أنهم يحبونه ، ويعتبرونه موفقا في أعماله .
حتى أن أحدهم قال مرة مقسما أقساما متتابعة ؛ أنه لو كان عمر موجودا اليوم لم يرض بحال الطواف والسعي ، ولجعل النهار للرجال يؤدون مناسكهم ، والليل للنساء .
وينسبون لعمر الغلظة ، بل ويظهرونها ، وكأن عمر لم يتبسم قط ، بل ولم تدمع عينه دمعة واحدة .
فلا يذكر من سيرة عمر إلا الدرة ومن أصابتهم ، حتى يظن المتلقي أن عمر ( ما عنده إلا الضرب والمضروب ) ، ولا يتفاهم إلا بالعصا ، وإذا أخذوا راحتهم أكثر ، يعرضون لك قصصه عند غضبه أمام النبي صلى الله عليه وسلم ، وطلبه منه أن يضرب عنق المخطئ .
ظلموك يا عمر !
أهانوك ولم يكرموك !
لقد كان عمر وقّافا عند الحق ، لا يتقدم عنه ولا يتأخر إن ظهر له .
لقد كان عمر بكـّاء حتى يُرى مجرى الدمع في وجهه .
لقد كان عمر يسعى جاهدا للمسابقة في الطاعة ، وكان من همه أن يسبق أبا بكر ولو مرة واحدة في الخير ، فلم يستطع ، فرضي الله عنهما .
لقد كان قائما على الأرامل والمحتاجين ، أسوة بمن قبله ، فأبو بكر إذ كان خليفة ؛ كان يقوم على الأرامل والعجائز ، ويتبعه عمر ليرى فعل الصديق ، وقد فعله هو بعد ذلك ، وتذكر عنه أيضا بعد توليه الخلافة .
لقد أبرزوا عنك يا أمير المؤمنين كل غلظة وشدة ، بل أظهروه عنفا واستبدادا .
لقد ألصقوا بك فساد نفوسهم ؛ اعتقادا منهم أنك ستتبعهم في الضلال ، وما علموا أنك وقـّاف عند كتاب الله ، ترجع الى الحق إن بدا لك .
ظلموك إذ أظهروك وقدموك في كل ذكرهم على خير البشر بعد الأنبياء أبي بكر الصديق ، فلا تجدهم يذكرون أبا بكر في المواقف الحاسمة ؛ بل يذكروك ، وقد علموا موقفه من الردة ، في حين كنت أضعف منه حينها .
قدّموك عليه في المحبة ، فأحبوك وفضلوك ( ولو لم تنطق أفواههم ففعالهم تثبت ذلك ) على الصديق ، فلا يذكر سواك ، ولا تكتب القصائد إلا فيك ، وهلم جرا ، ونحن نعلم أن بدعة الشيعة بدأت بتفضيل علي بن أبي طالب على أبي بكر وعمر وعثمان ، فلِم يحرُم على الشيعة هذا ويحل لكم ؟
أيها الناس أنزلوا الناس منازلهم تفلحوا ، وأحبوهم بالقدر الشرعي تنجوا ، ولا تظهروا جانبا وتغلـّبوه على بقية الجوانب فتميلوا كل الميل ، فتشوهوا الصورة النضرة لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم .