أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: تشدُّدٌ

  1. #1
    الصورة الرمزية حسين أحمد سليم قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Oct 2008
    العمر : 71
    المشاركات : 163
    المواضيع : 130
    الردود : 163
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي تشدُّدٌ

    تشدُّدٌ

    بقلم: حسين أحمد سليم

    ينعتونني بالتّشدُّدِ الأقوى في الإيمانِ باللهِ, جموحاً في نفوسهم الأمّارةُ بالسّوءاتِ, ويصفونني بالتّعصّبِ الأكبرِ في قناعاتي بالعقائد, مُجاراةً لما تُوسوسُ لهمُ أنفسهم بالأوهامِ... ويُنادونَ بي في كُلِّ ناحيةٍ, يحشرونني بقمقمِ الطّوائفيّةِ والمذاهبِ والعصبيّاتِ والأحزابِ, تدليلاً على غبائهم وحقارتهم ونزالتهم ولؤمهم وجهلهمِ, بما يتعامونَ بهِ عنِ النّورِ في بصائرهم وعقولهم... ويُصنّفونني في مراتبَ متناقضةً مُتنافرةً, بين إرتقاءِ الدّرجاتِ وهبوطِ الدّركاتِ, بما يتوافقُ ومزاجيّاتهم الشّيطانيّةِ المُتقلّبةِ الأهواءِ, ويُلقّبونني بكثيرٍ من الألقابِ المُتعصرنةِ القاهرةِ, وبما يتراءى لهم في كوابيس الأحلامِِ... ويُصدرونَ أحكامهم الظّالمةِ على كينونتي, بهتاناً وزوراً وكذباً, ونفاقاً ودجلاً وتدليساً, إرضاءاً لنزواتهم وعربداتهم وشيطانيّاتهم وكفرهم, ويُوشونَ الكذبَ الذي يسمَهم به كاذبونَ, وينشرونَ تزييفَ الحقائقِ على من هم على شاكلتهم... ويبذلونَ قُصارى ما بوسعهم, لإغراءِ ضعافِ العقولِ والإيمانِ, بما تُسوّلُ لهم أنفسهم الموبوءةُ بكلِّ الأمراضِ والعللِ, ويُشيعونَ الفاحشةَ بفحشهم وعهرهم بينَ النّاسِ, إفتراءاً وعدواناً وحسداً وغيرةً وحِقداً دفيناً, ويقذفون حُصني بوابلٍ من انزلاقاتِ ألسنتهم... ويقترفونَ الرّذائلَ سرّاً وعلانيةً, ويُمارسونَ الغدرَ المُتأصِّلَ في قلوبهم, ويُغالونَ بعيداً بما انحرفوا في متاهاتهِ, ولا يرتدعونَ عن أجرامهم, ولا يرعوونَ عن محارمِ اللهِ... والعجبُ كُلُّ العجبِ والإستغرابِ, يتبجّحونَ ويُجاهرونَ بالإيمانِ, ويُبطنونَ الكُفرَ والإجرامَ والعُدوانِ... أولئكَ هم المجرمونَ الكافرونَ المُستكبرونَ الفاسقونَ, بما كسبت أيديهم وشعرت بهِ قلوبهم وتناهى لضمائرهم وعقولهم بغيرِ الحقِّ...
    إذا كانَ الإيمانُ الحقُّ بالله تعالى, يُسمّونهُ تشدُّداً في هذا العصرِ القاهرِ العاهرِ السّاقطِ... فأنا قد آمنتُ بالله قبل ولادةَ جسدي الرّميمِ من أبويَّ في هذهِ الفانيةِ, يومَ قالَ اللهُ للأشياءَ كوني فكانت أرواحاً مُهلِّلةً للهِ في عالمِ الذّرِّ... وازددتُ إيماناً باللهِ لمّا ولدتني أمّي في عالمِ التّرابِ والفناءِ, وتشدّدتُ في إيماني إلى أبعدِ الحدودِ, بما أنعمَ اللهُ عليَّ من الرّحمةِ والمودّةِ, والتّعقّلِ والوعيِ والثّقافةِ والعرفانِ, وغدوتُ هائماً في ملكوتِ الحقِّ بما تشاففت بهِ روحي, لا تُلهيني سفائفُ الأمورِ عن الإيمانِ, ولا مغرياتُ الدّنيا عن عبادةِ اللهِ بالحقِّ...
    وإذا كان إيماني باللهِ تعالى شفَّ وتكاملَ, مرضاةً للهِ, فالفضلُ يعودُ لما أتت به كتبُ السّماءِ, توراةُ موسى وإنجيلُ عيسى مُصدّقانِ بقرآنِ محمّدٍ, وحياً من لدنِ اللهِ على قلوبِ الرّسلِ والأنبياءِ, مُؤتمناً بملائكةٍ مُنزّهةٍ من ملائكةِ الوحيِ في السّماءِ... وإذا ما فاخرتُ بإيماني, واعتززتُ بديني, واعتنقتُ بالحقِّ عقيدتي, وألتزمتُ طائفتي, وأخلصتُ لمذهبي, وتخلّقتُ أخلاقي من صاحبِ الخلقِ العظيمِ, فالفضلُ يعودُ للدّينِ الذي أكملهُ وارتضاهُ اللهَ لنا في مكنونِ آياتِ الكتابِ...
    وإذا شاءت رحمةُ الله ومودّتهُ, أن أولدَ من أبوينِ مُؤمنينِ مُسلمينِ عربيّينِ لُبنانيّينِ قرويّينِ, في أرحابِ أمّةٍ تُصنّفُ الولاداتَ طوائفَ ومذاهبَ وأشياعَ, وتدفعُ بالنّاسِ قهراً على قهرٍ لركوبِ صهواتِ الأحزابِ والفئاتِ والعصبيّاتِ... فأنا أفخرُ بالإسلامِ دينُ الأكوانِ, ديني ومُعتقدي بلا طوائفٍ ولا مذاهبٍ, وكُلُّ مُسلمٍ صادقٍ وفيٍّ مُخلصٍ أخي في اللهِ, رجالُ اللهِ قادتي, أنبياءٌ ورُسلٌ وخُلفاءٌ وأئمّةٌ وهُداةٌ, ركبتُ سفينةَ أهلِ بيتِ النّبوّةِ طوعاً, محبّةً واحتراماً وكرامةً وتوكيداً للإيمانِ, لم ولن ولا يتناهى لوجداني المؤمنِ بالله تعالى, بخثٌ ولا تسويفٌ ولا نُكرانٌ لطائفةٍ أو لمذهبٍ أو لفئةٍ, أو جموحٌ جاهلٌ بالحقوقِ لرجالِ الله الأوائلِ, أو رفضٌ تاريخيُّ لمن جاهدَ حقّاً في سبيلِ اللهِ... وأعتزُّ بلساني ناطقاً كارزاً بلغةِ القرآنِ, عربيٌّ أصيلٌ وفيٌّ مُخلصٌ لعروبتي, وكُلُّ أبناءِ العُربِ أهلي وإخواني من حدودِ الماءِ إلى حدودِ الماءِ, إذا ما أصابَ أحدهم شوكةً تتداعى لهُ جوارحي ووجداني وعقلي وفكري وأحاسيسي وكتاباتي وفنوني, وتضطّربُ كينونتي وتقلقُ على كُلِّ مُصابٍ يأتي على أمّةَ اللهِ... لُبنانيُّ الهويّةِ من بلادِ الأرزِ المُقدّسِ, موطنُ ولادتي ونشأتي وحياتي, هنا وُلدوا أجدادي وآبائي, امتداداً لسلالةِ الأتقياءِ من نسلِ أهلِ بيتِ النّبوّةِ, عاشوا بالإيمانِ أتقاسءاً يشهدُ لهم القاصي والدّاني, وماتوا مؤمنينَ مُسلمينِ أوفياءَ مُخلصينَ, للهِ تعالى والإيمانِ والتّوحيدِ والعروبةِ والإنسانيّةِ, ودُفنوا في التُرابِ الطّاهرِ المُقدّسِ إلى جوارِ مراقدِ الأولياءِ, في رِحابِ وطنِ الأرزِ الخالدِ لبنان...
    أنتمي للإنسانيّةِ في هذه الحياةَ, المحدودةَ بزمنٍ مُقدّرٍ رحمةً بنا من الله... لم ولن ولا أرودُ درباً غير موصلٍ لمرضاةِ الله تعالى... لم ولن ولا أسلكً طريقاً أشكُّ باستقامتهِ وقوامتهِ ووضوحهِ... لم ولن ولا أهلّلُ لطائفةٍ أو مذهبٍ أو فئةٍ لا تتّقي اللهَ في مساراتها... لم ولن ولا أحملُ فكراً أو فلسفةً ليسَ للهِ فيها رضاً ولي فيها مصلحةً إنسانيّةً... لم ولن ولا أصفّقُ لحزبٍ أو حركةٍ أو تيّارٍ أو جماعةٍ, غيرَ أمينةٍ على الإنسانيّةِ والإيمانِ وحُرّيةِ العيشِ والرّأي والفكرِ... ولم ولن ولا أمنحُ ثقتي لأحدٍ كائناً من كانَ, إلاّ إذا ثبتَ لي وفقَ رؤى الحقَ والعقلِ والوجدانِ, مستوى إنسانيّتهُ وإيمانهُ الحقَّ... وأشُكُّ بالجميعِ من حولي, إلاَّ من رحِمَ ربّي وهم قليلونَ, حتّى يرحمني الله بالمعرفةِ, وكشفِ الأستارِ عن الحقائقِ, فتستقم كُلُّ الأمورِ... ولم ولن ولا أتّخذَ صديقاً أو صديقةً, إلاَّ بعدَ امتحاناتٍ وتجارب قاسيةٍ, لتأتي الصّداقةُ مُتعملقةً في بنيانها, ثابتةً على أوتادٍ وأسسٍ متينةً في بواطنِ العلاقاتِ الإنسانيّةِ... ولستُ مُحازباً لجهةٍ على الأخرى أو دونَ الأخرى, فأنا مُتحرِّرٌ قناعةً بوعيٍ وإدراكٍ من جميعِ الأحزاب, وإن ساءَ بي الدّهرُ ذاتَ يومٍ وانتميتُ مُكرهاً لبعضِ الأحزابِ, فإنّني قد أعتقتُ فكري وعقلي ووجداني وقلبي من هرطقاتِ الأحزابِ, وطلّقتُ جميعَ النّساءِ الغانياتِ المُعربداتِ تحتَ خيمةِ الأحزابِ... وتزوّجتُ حروفَ الأبجديّةِ التي عشقتها منذُ طفولتي, فتعاشقتِ الحروفُ وتحاببت في وجداني وعقلي وفكري وقلبي, وتوالدت من رحمِ الحُبِّ والعشقِ جميعُ الكلماتِ العربيّةِ على سُنّةِ الله ورسولهِ, وحملتني رؤايَ قناعةً نهائيّةً أرودُ فراديسَ الفنونِ الأدبيّةِ والفنونِ التّشكيليّةِ, الموشّاةَ بالخلقِ والإبداعِ والإبتكارِ والتّمييزِ, وأقمتُ في قلبِ الحقيقةِ صومعةَ خيمتي الشّفيفةَ, وحولي تمتدُّ في اللامتناهياتِ خيمٌ شفيفةٌ, تتماهى في صومعاتها الفنونُ خلقاً وإبداعاً... وعكفتُ في صومعتي, بعيداً عن الوساوسِ والكوابيسِ والأوهامِ, مُتصوّفاً أعاقرُ الحروفَ والكلماتَ حتّى أثملَ, فأرتحلُ في غيبوبةٍ التّخاطرِ في البعدِ, وأرتعشُ بالرّوحِ كارزاً بالبشاراتِ من فلسفةِ الخواطرِ, فيفترُّ يراعي بدفءِ شريانهِ الموصولِ بقلبي, وينزفَ من دمائي الحمراءَ يخطُّ كلماتي فوقَ القرطاسِ, فتتّقدُ الأوراقُ بدمي القاني النّازفِ, وتشتعلُ القراطيسُ بلهيبِ حروفي وثورةَ كلماتي, ويُشاركني اللظى كُلُّ الأحبابِ والعشّاقِ, فتشتعلُ مياهُ البحارِ والأنهارِ من حرارةِ المعاناةِ, وتتفجّرُ البراكينُ حمماً لاهبةً من شواظِ الآلامِ, وتهتزُّ الأرضُ مُرتجفةً من هولِ الحقائقِ, وتميدُ رواسيَ الجبالِ للواقعِ القاهرِ العاهرِ الكافرِ...
    حسين أحمد سليم
    hasaleem

  2. #2
    الصورة الرمزية محمد رامي أديب
    تاريخ التسجيل : Dec 2010
    الدولة : سوريا
    المشاركات : 877
    المواضيع : 55
    الردود : 877
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    خطوت الى هنا باصرار لأطالع هذه الترجمة المثالية والرؤيا الصائبه ،
    التي تنم عن حقيقة ملتزمه ، بمكونات الذات الانسانية الراقية ،
    وما قرأته الا نموذجاً رائعاً بشفافية مطلقة للسمو بالنفس
    اهنئ نفسي .. واهنئ مدارج هذا الروض لاحتضانه اروع الناس
    تحيتي وتقديري اخي العزيز
    كل الود

  3. #3
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.65

    افتراضي

    نص بهي حلق عاليا في فضاءات السرد، وغاص عميقا في سراديب النفس
    فهطل بوحا فلسفيا شفيف الحس حلو المعاني صادق التعبير عن خلجات الروح ونزوعها الفطري نحو الغاية من وجودها

    قرأت هنا نصا يحتاج سأعود له مرات

    دمت بألق
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها