بال حمار فاستبال أحمرة
بسم الله الرحمن الرحيم
بدأت مقالي هذا بمثل جاهلي عجيب الصياغة ، دقيق التركيب ، بليغ المعنى ، مناسب لحالة الأمة في أيامنا هذه .
طبعا هذا المثل له معنى عجيب ، ألا وهو : أن الحمار أعزكم الله إذا بال ؛ فإنه يستحث بقية الحمر على الاستبالة ، حتى لو لم تكن بحاجة حينها لذلك .
والأمثال عند البلغاء تدل على مدلولات دقيقة ، مشابهة للحال ، دون الاشتراط لمشابهة الشخصيات الحالية بشخصيات المثل .
ومن هنا أقول :
إن حال الشعوب العربية في أيامنا هذه هو حال كئيب ، لا لما حل به من ظلم الحكام واستبدادهم ؛ بل من سُخف القوم وتهافتهم على المظاهرات بشكل مزر ٍ ، حتى غدت أضحوكة ، يتسلى بها السياسيون الغربيون ، ويسيرونهم كما يشاؤون ، لتنفيذ رغباتهم السياسية ، لا الدفاع عن الحقوق المدنية للمتظاهرين كما يحلم الأغلب .
إن ما حدث في مصر ، وتبعه ما حدث في اليمن والجزائر ، ثم البحرين ، لهو أكبر شبه مَرَّ على الأمة في هذه الحقبة ؛ يشبه حالهم فيه ما أورده المثل الجاهلي السالف الذكر .
إن ما حدث ويحدث الآن تطبيق للمثل : بال حمار فاستبال أحمرة .
لا يفهمني الأذكياء كعادتهم ؛ ويقولوا : إن الجـِرْفالي يرى أن الشعوب العربية كالحمير . ولكني أقرر مشابهة الحال بالحال .
فلما رأت الشعوب نجاح الشعب التونسي في طرد حاكمه ، هبّوا هم بعدها لفعل نفس الفعل .
ولم ينتظروا ليروا ما سيؤول له الحال التونسي ، ولو انتظروا وتريثوا لتغيرت نظرتهم ، ولاختلف رأيهم فيما سيفعلون ، ولكنهم تبعوا الشعب التونسي دون معرفة لكيفية إصلاح الأمور ، وفعلوا ما فعلوا لأن الشعب التونسي فعل ذلك قبلهم ( بال حمار فاستبال أحمرة ) .
منذ أن هرب الهارب التونسي ، وإلى الآن ، لم أر أي تقدم لحل المعضلة التونسية ، وكلما بدا لنا بصيص ضوء نظن أنه الطريق لحل الأزمة التونسية ، ومن بعده ستشكل حكومة إنقاذ ، يقفز لنا حزب من هنا ، ويعارض هذه الحكومة ، ويطلب حلـّها ، وإن شكـّلوا غيرها ، هبّ عمّال من هناك معارضون مطالبين بتشكيل حكومة غير السالفتين ، وهكذا دواليك ، وإلى الآن لم تستقر تونس على حل لأزمتها ، التي أحدثها هروب زين العابدين ، وترك البلد دون عصا – وأنا لا أظن العرب يصلحون دون طاغية يحكمهم إن بقوا على حالهم هذا ، أما إن صلحوا وعادوا إلى دينهم فإن الله سيولي عليهم منهم - .
إلى متى ونحن غوغاء ؟
إلى متى ونحن إمّعات ؟
ألم يحذرنا شرعنا من التبعية العمياء ؟
ألم يطلب منا توطين أنفسنا ، أنْ إذا أحسن الناس أحسنا ، وإذا أساؤوا لم نتبعهم في إساءتهم ؟
أرى العالم العربي يغلي كغليان المِرْجل ، والكلاب المسعورة من عمق العالم العربي وشرقه ( مثلث الشر : إيران وصِنوها حزب الله ، إسرائيل ، جماعة الإخوان المسلمين ) يتصيدون في الماء العكر ، ويهيؤون موطئ قـَدَم لهم أرحب في المنطقة ، كي يحققوا مخططاتهم وأمنياتهم .
لا يفهمني القارئ أني أحقـِّر من جرم الحكام العرب وظلمهم ، ولكني أدعو للنظر في عواقب الأمور بدقة ، والتحرك بطريقة مدروسة ، والاستفادة من الخبرات السالفة .