كنت أظن في بادئ الأمر أننا تجاوزنا هذه المسألة عبر تراكم الحريات ، فعادت الفتنة لتفتك بحضاراتنا ، وإيماناً بأنه لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى ، و أن الإسلام بريء من تلك النظرة المتعالية ( العنصرية ) التي يبدو أنها لازالت تحتل مساحة واسعة من ثقافة فئات المجتمع ، تلك النظرة التي تعظم الذات والتفوق من جانب ؛ وإشعار الآخر بالدونية من جانب آخر ؛ والتي تضعه في وضع أدنى ، للأسف هي في أحد تجلياتها نوع من الاحتقار للآخر مبني على أساس التفوق العرقي .
وفي عالم بدأ يضيق معرفياً وثقافياً في ظل ثورة المعلومات ؛ التي جعلت من مجموع البشرية بكل أعراقها وألوانها وثقافاتها عبارة عن قرية صغيرة ، لابأس من إعادة طرح سؤال التمييز والشعور بالتفوق على أساس العرق واللون في مجتمعاتنا ؛ لذلك رأينا أن نخوض دهاليز مفهوم التفرقة لكشف تراكمتها الممتدة في ثقافتنا .
فكان علينا أن نسال ذلك السؤال الذي قد تجبرنا إجابته إلى الدخول " للعصر الحجري" من جديد ، إذاً هو الخجل المتخبط بعرض الحجب و المسكوت عنه ، إذا ما راقبنا عيون المارة لأولئك الذين إختاروا حياتهم بكل حب ؛ فيما سهام بعضهم تطعن مشاعرهم جلداً ؛ تهم قد لا يتحملها الجلاد ، وأن تلوكهم أسئلتهم المقيمة في زمن مضى " هل يعقل أن تترك رجلا من نفس لون بشرتها وتتزوج برجل آخر ؛ إلا إذا كان بها عيوب تجبرها على ذلك ؛ فتضطر للزواج من هذا الرجل ؟ . " ،تلك هي النظرة الموجعة التي تغتال كرامتها وشرفها ؛ ألا تحتاج إلى وعي يستئصلها و يقف في وجه رماة التهم ؛ ليكون السؤال هل ذلك معقول بعد أن وصلنا القمر ؟! .
ناهيك أن الشرع قد أوضح وبين لنا هذه المسألة ، فهي لا تحتاج إلى النقاش و ديننا أيضاً واضح ، إذاً لماذا يشكك الآخرون في مصداقيتهم و يخلق المجتمع نزاعات من شأنها أن لا تنطفيء ، ومع هذه الإضاءة لكم حق التجاوب انطلاقا من بياض قلوبكم إلى بياض أوراقنا التي سننشرها أمام القراء لنلامس جذور تلك الثقافة ، التي يستند إليها أولئك .
ودعونا نقترب من المسألة أكثر ونسأل البعض رأيهم في ما طرحناه ؛ ولقاونا الأول كان مع :
- ربة بيت وأم لتسع فتيات و أربع شباب و عندما سألناها هل تقبلين بأن تتزوج إبنتك من رجل ذو بشرة مختلفة اللون ؟ أجابتنا مقاطعة علامة إستفاهمنا أبداً وعندما سألنا عن السبب أتانا جوابها مغلف بدبلوماسية تأخرت عن الصغار .
-وعندما كررنا السؤال على شاب تجاوز الثلاثين أجابنا بأنه كان على علاقة مع فتاة لها بشرة مختلفة عنه و إستمرت علاقتهم تسع سنوات و بسبب تدخل الأهل و لعدم رضاهم بأن يذهبوا معه لخطبتها كان الانتظار أليما حتى يغير أحدهم رأيه .
و لتكرار الإجابة عند أغلبهم قررنا أن نغادر السؤال و نذهب مباشرة إلى جواب نعرفه سلفاً عند أحد الأصدقاء علنا نصدق بأننا نعيش في الألفية الثالثة فكان جوابه مرطباً لجفاف بعض السطور السابقة ، " أقبل و لما لا في حال كانت خفيفة الظل و طموحة و تعتد بنفسها و تتفهم الحياة والمهم أن لا تشعر بعدم رضا الاخرين عنها للون بشرتها .
أكتفي هنا ببعض كسرات من أجوبة لبعضهم و إن تشابهت كلها بجواب واحد .
وبعد :
إذا كان الإنسان لا يختار لون بشرته فكيف لقناعات المشككين أن تحاصر الوعظ والنصيحة بلباس جاهلي ينقلب على أحكام شرعية تتيح للشعوب وللقبائل أن تتعارف ، و لا تُحرم بأن يختلط لون بآخر .
ومع ذلك نقر أننا عندما نناقش هذا الموضوع تكون ردة الفعل عند الآخر عصبية ، والجواب حائر بين غيمة " هل ستقنع أهلك " وغيمة " إن معارضيك سوف ينبذونك و يتبرءون منك ، إذاً هو خوفنا من المجتمع ومن نظرة الأخوة ، وتعامل أطفال العائلة الواحدة ذوي البشرة المختلفة اللون ، متجاهلين أنه من حق كل إنسان أن يختار ما يعجبه و يترك ما سواه ، لذلك نحن نواجه صعوبة في تعامل الأطفال مع بعضهم البعض ، فيصبحون بذلك غير إجتماعيين ربما هي تهمة أخرى أو مخاوف أهل الفتاة أو الشاب و خصوصاً في الزواج ، فالحياة بينهما مفروض لها أن تستمر حتى نهاية مشوار العمر طال أم قصر ، فعملية الاقتران يجب أن تكون عن إقتناع تام ، ومسألة التزاوج بين أصحاب البشرة المختلفة هي في حقيقة الأمر قناعات ، بعضهم لاتجد لديه أية عقد و البعض لا يرغب في هذا كما هو الحال الآن ..!!
فالأمر ليس محصورا بين " أوافق أو لا أوافق " رغم أنه يختلف من شخص لآخر إلا أنه بات علينا أن نحترم رأي الآخر في الاختيار ونرفع عنه الظلم و نرد كيد التهم و أن لا نرجمهم بنظرات الاستهزاء و التفريق وأن لا نتكيء على عصا الأطفال و إندماج بعضهم البعض في اللعب و اللهو وغيره .