ياسمينة 1
من اللطائف النحوية التي تضمنها القرآن الكريم، ما جاء في سورة المائدة في قوله تعالى:
{ إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } (المائدة:69)
قالوا : لِمَ لم ينصب المعطوف { الصابئون } على اسم { إن } وهو { الذين آمنوا والذين هادوا } ؟
و لتقريب المقصود نقوم بالتقدير : (الذين آمنوا=المؤمنون),(الذين هادوا=اليهود)
فيكون تقدير الكلام : إن المؤمنين و اليهودَ و الصابئون و النصارى ؟!!
قيل : لماذا رُفعت كلمة ( الصابئون ) و لم تنصب عطفا على ما قبلها : المؤمنين و اليهود ؟!
إذ إن مقتضى القواعد النحوية أن يقال: ( والصابئين ) لأن اسم ( إنَّ ) منصوب، وما عُطف عليه فحقه أن يكون كذلك.
و الجواب :
إن مجيء الآية على النحو الذي جاءت به، هو وجه من وجوه بلاغة القرآن، وجانب من جوانب إعجازه
يوضِّح هذا ويؤكِّده ما جاء عن أئمة اللغة في توجيه هذه الآية الكريمة .
اولاً:
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي و تلميذه سيبويه :
رفعُ ( الصابئون ) في الآية محمولٌ على التقديم والتأخير؛ والتقديم والتأخير أمر جار ومعهود في كلام العرب
وهو كثير في القرآن الكريم، يعلمه كل من كان على دراية وعلم بلغة القرآن وأسلوبه
قالوا: وتقدير الكلام في الآية: ( إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون والنصارى كذلك )
قالوا: ومن ذلك قول الشاعر:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم ... بغاة ما بقينا في شقاق
أي: وإلا فاعلموا أنا بغاة ما بقينا في شقاق، وأنتم كذلك.
وعلى هذا، فإن ( الصابئون ) في الآية على نيَّة التأخير بعد خبر { إنَّ } وهو مبتدأ لخبر محذوف تقدير الكلام: ( والصابئون كذلك ).
وعلى هذا قول الشاعر:
فمن يك أمسى بالمدينة .. رحله فإني وقيَّار بها لغريب
وقواعدياً يجب أن يقال : فإني و قياراً بالنصب .
و لكنه رفع , فيكون تقدير الكلام : فإني بها لغريب، وقيَّار كذلك .
ثانياً:
وقال بعض أهل العلم في توجيه الآية: إن خبر { إن } محذوف، دلَّ عليه قوله سبحانه: { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }
قالوا: وجملة { والذين هادوا } معطوفة على جملة { إن الذين آمنوا } ومحلها الرفع؛ لأنها جملة ابتدائية، وما عطف عليها كذلك
وجملة { والصابئون } من المبتدأ والخبر المحذوف، معطوفة على الجملة المرفوعة قبلها؛ فالعطف هنا عطف جُمل على جُمل، وهي مرفوعة
فلأجل هذا جاء قوله تعالى: { والصابئون } مرفوعًا، عطفًا على ما قبله من جُمل مرفوعة .
ثالثاً:
وثمة من يرى من العلماء أن { إنَّ } في الآية بمعنى ( نعم ) كقول الشاعر:
ويقلن شيب قد علاك ... وقد كبرت فقلت: إنَّه
قال الأخفش: ( إنه ) بمعنى ( نعم ) والهاء أدخلت للسكت.
وعلى هذا القول، فـ { الصابئون } في الآية رُفع على الابتداء، وحُذف الخبر لدلالة الثاني عليه
والعطف يكون على هذا التقدير بعد تمام الكلام، وانقضاء الاسم والخبر .
من أراد أن يشارك فأهلاً و سهلاً
و من أراد أن يسأل فأهلاً و سهلاً و مرحباً