متابعة نسخ كتاب سخف الحداثة وخواء الحداثيين
لكاتبه محمد محمد البقاش
وحين ظهور الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر عصر التنوير كما يسمونه اشتغل الغرب على التصنيع فحصل تقدم غير مسبوق، وهو مشروع مدني لا يمت إلى الثقافة
والحضارة بصلة، لأنه علمي تجريبي، والعلم التجريبي شأن عالمي إلا ما
كان تابعا لوجهة النظر الأساسية، ويشترك في العلم التجريبي الإنسان مع
أخيه الإنسان بصرف النظر عن قيمه ومعتقداته وأفكاره ومفاهيمه وقناعاته
ومقاييسه، ولما قامت الثورة الفرنسية قعَّدت للمبدأ الرأسمالي وقد حوى
في منظومته؛ الحداثة والعلمانية والديمقراطية والحريات.. جمع فيه ما
أنتجه المفكرون والكتاب الغربيون، فهي من حيث الجواب على الأسئلة
الكبرى قد حلّتها بالعلمانية حين اعترفت ضمنا بالدين دون أن تعيره أي
اهتمام، ومن حيث نظرتها إلى الكون والإنسان والحياة، فقد حسمتها، وعليه
فقد صارت فكرا وعقيدة ورؤى وتصورات، كل ذلك اعتمد من خلال التقعيد
العقدي والفكري، فجاءت بفكرة نبذ الماضي والتنكر له، جاءت بفكرة محوه
نهائيا متشبثة تشبثا سطحيا بالحاضر، ومتطلعة بشكل أعمى إلى المستقبل.
ونظرة بسيطة إلى مثال واحد من ذلك تؤكد سخافة وخواء من يعتمد غير ما
ذكرنا، انظر مثلا إلى غوستاف فلوبير (1821ـ 1880) ومالارمي (1842 ـ
1898) وخصوصا شارل بودلير وهو إمام الحداثيين (1821 ـ 1867) فقد نادى
بالفوضى الجنسية والفوضى الفكرية والخلقية، هذه الفوضى تقوِّض الحياة
ولا أقول المجتمع، شأنها شأن سلوك المثْليين مثلا، فلو سار المجتمع في
الفوضى الجنسية وفق هوى بودلير وهوى المثْليين لاختلت الحياة وقوِّضت
من أساسها، لأن الميل الطبيعي بشهوة، والذي تقتضيه غريزة النوع دعما
لغريزة البقاء المغروزتين في الإنسان وسائر المخلوقات هو من الذكر
للأنثى، وليس من الذكر للذكر، وعليه فمثل هذه الرؤى والدعوات تدل على
مرض، والمريض يستحق الإشفاق، وعليه فعلى المجتمعات أن تبادر إلى خلق
مناخ وإطار خاص بهم يتم فيه معالجتهم من انحرافهم، وإذا نحن سلمنا
لبودلير بالفوضى الجنسية، فماذا تكون النتيجة؟ النتيجة ضياع القيم
والمثل، وزوال صفة الإنسانية لتحل محلها صفة البهيمية، انظر إلى أول
مخلوق وهو آدم، كيف سار في حياته الجنسية؟ وكيف سار أبناؤه، ثم حفدته
من بعده؟ لقد ابتدأ بتزويج أبنائه الذكور من بناته، وهذا شاذ لأنه لا
يقعِّد للقيم والمثل، ولا يسعى بالحياة إلى الجمال المنشود، والصفاء
المحمود، والعلاقات الراقية، والأنظمة الراشدة، كيف تنشأ الأبوة
والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة والخؤولة والحفادة والصهرة في خضم
الفوضى الجنسية، في خضم الخلط في الممارسات الجنسية دون نظام؟ لقد
شاهدنا بأم أعيننا من هو متزوج من أخته الشقيقة وقد أنجب منها أبناء
وبنات، لقد شاهدنا أبا ألمانيا قد أنجب من ابنته أبناء، كيف ننظم هذا
الخلط؟ هل يأتينا بما هو أرقى من الأبوة والأمومة والأخوة والبنوة
والعمومة والخؤولة والحفادة والصهرة؟ إن كان كذلك فنِعْم، ولكن الواقع
ينفي ذلك تماما، وعليه فآدم حين زوج أبناءه بعضهم من بعض كان ذلك شاذا
أول الأمر، ولكنه كان ضروريا، بل حتميا لاستمرار الحياة، ومع ذلك حرص
ألا يكونوا قد اجتمعوا في رحم واحد، ومعنى ذلك؛ الارتقاء بالعلاقة
الشهوانية، علاقة الميل الطبيعي بالشهوة إلى الأنثى لما يزكيها ويجعلها
أجمل العلاقات لأن فيها استمرارية للحياة، وهكذا حتى ابتعدت العلاقات
بين ذوي الرحم الواحد لينشأ عن بعدها وهو تنظيمها عينه؛ العلاقات
الاجتماعية الجميلة، فكيف يأتي سفيه ويطالب بالفوضى الجنسية؟ هل يسير
بنا إلى ما هو أرقى مما ذكر؟ إن كان كذلك أخذنا به، ولكن أين هو؟ لا،
ليس إلى الرجعية من سبيل. عفوا لقد وجد وكنت في غفلة عنه، ولكن أخيرا
اهتديت إليه، وهو أن ينزل الإنسان إلى أقل من درك الحيوان، فقد أنشأوا
علاقات جنسية بفن دال على عبقرية، أنشأوها مع الإنسان في تنوع متعدد،
وطقوس راقية، وحين كانوا ما بعد حداثيين خلطوها بالذكور ومع الحيوانات.
لقد باتت المرأة في النظام الاجتماعي الحداثي الذي نادى به بودلير، وهو
الفوضى الجنسية، وهو نظام بطبيعة الحال؛ أرقى امرأة تستحق أن تكون قدوة
لنسائنا، لأن إتيان سلوك خاص وفق معايير خاصة يدل على إعمال عقل، وإذا
ظهر للوجود كان ذوقا راقيا دل على فن ونظام. وحتى لا نظلم حداثيينا
دعونا نساير شارل بودلير وكل من يدعو بدعوته إلى الفوضى الجنسية لنرى
نتائج تلك الدعوة. لنفرض أن الرجل يجامع أمه فتجب منه، ويجامع أخته
فتنجب منه، ويجامع ابنته فتنجب منه إضافة إلى جماع العمة والخالة
والحفيدة وابنة الأخ وابنة الأخت.. لنقف عند بعضها وما عليك حضرة
القارئ المحترم إلا أن تتم ما تبقى بنفسك. الذرية من الأم تعطي نظاما
يسير على شكل تصاعدي فتنشأ بسببه علاقات ترتبط أصلا بالعنصر الأول، فما
يكون ذلك النظام؟ الرجل الذي يجامع أمه هو (زوجها وهي زوجته) وابن لها
بطبيعة الحال، وهي أمه بنفس الوقت، وحين تنجب منه يكون ولدهما على
الصفات التالية: أولا: يكون المولود ابنها فهي أمه، وحفيدا لها من
ابنها الذي جامعها، فهي جدته، وولدها (الأب) والد ولدها. ثانيا: يكون
المولود ابنا لأم الرجل وأخا له. فماذا نسمي هذا النظام؟ وإذا اخترنا
له اسما دالا على مسمى، فهل هو نظام يرتقي بالبشرية إلى العلى لتتميز
عن الحيوان الذي له ما ذكرنا؟ لنزد في استنتاج النتائج المترتبة على
هذا النوع من النكاح، لنفترض أن الذرية صارت ابنا وبنتا، وقد وصلا السن
الذي يمكنهما من الإنجاب، فإذا قررت الجدة جماع حفيدها، وقرر الجد جماع
حفيدته فما تكون النتيجة؟ أولا: الجد جد للتي جامعها فهي (زوجته)
وحفيدته، وولدها ولده وسبطه. ثانيا: الجدة جدة للذي جامعها وأنجبت منه،
فهو (زوجها) وولدهما ابن لحفيدها وسبط لها. يحصل هذا في الحيوانات
والبهائم والطيور.. فهل يكون نظامها الاجتماعي أرقى من نظام بني البشر
الذي ابتدأ منذ آدم ولم يزل معمولا به إلى الآن؟ وإذا خلطت الأنساب،
ووضعت النطف في الأرحام وفق الفوضى الجنسية، وكان الخلط هو النظام
المستهدف فسيكون مختلفا تماما عن النظام الاجتماعي الذي يرتضيه الناس
كلهم إلا العتهاء منهم، فبالنظام الاجتماعي الطبيعي والفطري تحصل
الأبوة والأمومة والبنوة والأخوة والعمومة والخؤولة والحفادة والصهرة
وتتحدد وتتميز.. وكذلك الأخوة من الرضاعة التي تميز بتحريمها الإسلام
وقد ثبت علميا أن الرضيعين يرضعان لبنا به خلايا جذعية سوف تعطى في لبن
ذريتهما، وبه يكون الرضيع الذي امتص لبنا مع رضيع آخر أخا له، وإذا
تزوج المرء بأخته من الرضاعة يكون ولده أخاه وهو خاله، وأم الولد أمه
وهي خالته.. وهذا شاذ خبيث في العلاقات الاجتماعية.. وبغير النظام
الاجتماعي الطبيعي والفطري لا يحصل ذلك، فما ذكر من نتائج أظهرت صورا
جديدة لعلاقات اجتماعية جديدة، ولكنها صور لا يمكن أن يقبل بها عاقل،
وهي لا يمكن أن ترتقي بالإنسان لتميزه عن الحيوان، انظر إلى ملوك
أوروبا في تشريعهم نكاح (المحارم)، نكاح الأخ لأخته حفاظا على الدم
النقي والملك، انظر إلى الفراعنة الذين صدقهم الناس وصدقوا أنفسهم أنهم
آلهة، فقد تزوجوا من الأخوات والمحارم للحفاظ على تلك الألوهية، فلم
يتحرجوا من جماع الأخ بأخته، وقد ثبت أن هناك فراعنة صغار دفنوا قبل أن
يتوجوا فيعبدوا، والسبب تلك العلاقة الجنسية الشاذة، هذا ما قال به
علماء وباحثون، فكيف يدعو من يدعو إلى الفوضى الجنسية وخلط الأنساب وهو
لن يأتي بما هو أرقى مما هو موجود، ثم يزعم صحة ذلك ورقيه وحداثته؟ حتى
دعوتهم للحفاظ على العلاقات الاجتماعية في أدغال الأمازون لأناس
بدائيين لا يتحرجون من جماع الابنة والأخت؛ دعوة خبيثة، لأن الناس
هنالك جَهَلة بدائيون لا فكر لهم ولا حضارة. يبدو أننا نضيع وقتنا في
قراءة هذه الزبالة. يبدو أننا لن نجني فكرا يقنع العقل ويوافق الفطرة
ويملأ القلب بالطمأنينة. أما إذا ذهبنا إلى الاستنساخ الذي هو إيجاد
نسخة طبق الأصل للذي يراد الاستنساخ عنه ونجحنا فيه، ثم شرعنا نلعب
بالخلايا غير الجنسية التي تحمل كل واحدة منها 46 كروموسوما خلاف
الخلايا الجنسية التي تحمل 23 كروموسوما؛ قصد تدمير العلاقات
الاجتماعية، فمن الأجدى على الأقل أن تأتي تلك الأخلاط وذلك التلاعب
بما هو أرقى من النظام الاجتماعي التقليدي الرجعي (الطبيعي والفطري)
كما يصورونه، ولكن لن يأتي بشيء من جمال ذلك النظام أبدا، بل سيأتي
بإنسان لم يأخذ من الصفات إلا ما هو مبرمج في الخلايا غير الجنسية وبه
تكون الصورة مطابقة تماما لا تميز فيها، ولا جمال، تبقي على الأمراض
الوراثية والصفات البنيوية الدميمة، لا يُظهر الاستنساخ قدرة أخاذة ولا
يدا بديعة، خلاف التلقيح الطبيعي بين خلية الرجل الجنسية وبويضة المرأة
الذي يأتينا بصفات وراثية من الأب والأم تجعل الحياة جميلة، والعلاقات
المترتبة عنها أجمل، يضاف إلى ذلك عند الانحراف بالفطرة الإنسانية؛
فقدان الأنظمة الاجتماعية الجميلة من أُبوّة وأمومة وبُنوّة وأخُوّة
وعمومة وخؤولة وحفادة وصهرة.. كيف يصير الإنسان المكرم الذي يراد له أن
يلقي بكرامته؟ هل يراد له أن يكون قردا؟ ولكن القرد إذا حاول بشر فيما
يحمل من كروموسومات أن يتساوى مع القرد الذي يحمل 48 كروموسوما؛ تشوه،
وإذا نقص القرد من صفاته الوراثية ليصل إلى مقدار ما لدى الإنسان؛ تشوه
هو الآخر، فأين الجمال؟.. صارت المرأة في دين بودلير ودين الحداثيين
تجامع من طرف عدة رجال دفعة واحدة، توطئ في الأندية تحت عدسات
الكاميرات، وفي رواية: نساء مستعملات إشارة إلى أن الحفر ـ معذرة
للمرأة التي هي امرأة حقا تمارس فطرتها ـ الموجودة لديها لم تعد كافية
فشرعوا يحفرون بدنها ليصنعوا من تلك الحفر فروجا جديدة، صارت سيدتهم
المحترمة تجامع من طرف الكلاب المدربة وهو جماع حقيقي لا شهوة فيه
للمرأة، بل فيه شهوة للكلب، فما أجمل ثقافة جماع الكلب للمرأة، وما
أنبل استسلام المرأة للكلب، صار فرج المرأة يعبث به بقضيب الحمير
والكلاب ولُسْنها وفوّهات القنينات.. بات الرجل في الثقافة الجنسية
يحاكي المرأة، حتى القبلة السوداء والمطر المذهَّب صارا من تقليد
المثليين، هذه هي الفوضى الجنسية الجميلة، وهذا هو النضج العقلي لدى
مفكرين حداثيين يعتاشون على القاذورات فلا ينتجون إلا القاذورات.
يراودني الشك أحيانا في مثل هذا النتاج الفكري أن يكون من مثْليين، أن
يكون من مخنَّثين، أن يكون من معتوهين، وإذا لم أحسم في حكمي لا أشك
مطلقا أنه ممن لم ينضجوا بعد.