هذا ما تحتاجه المملكة
تشخيص أولي للحالة السعودية
تخشى المملكة العربية السعودية من انتقال حمى الضنك السياسي - كما سماها الرئيس صالح - إلى أراضيها فتصيب شعبها الذي يرزح تحت نيران القمع الأشد وحشية في المنطقة ، ولهذا فهي تعمل على مكافحة هذه الحمى في الدول المجاورة بكل ما أوتيت من قوة ، وتحاول أن تخمد أي بؤرة من بؤر الثورة ، ولو استدعى ذلك التدخل العسكري المباشر كما هو الحال في البحرين حالياً. وقد حاولت بشتى الوسائل الممكنة أن تخمدها في تونس ومصر والآن في اليمن والبحرين ..الأمر مختلف نسبياً في البحرين فقد صار الدعم علانية بخلاف المساعدات والجهود التي بذلها النظام السعودي للنظامين المصري والتونسي والتي كانت سرية نسبياً – لأنه لم يعد في عالمنا المعاصر شيء كامل السرية - وسمعنا وقرأنا ما تناقلته الوسائل الإعلامية عن وصول سفينة سعودية إلى عدن تحمل على متنها مساعدات أمنية متمثلة في عربات ومدرعات لمكافحة الشغب (أو الشعب) - الأمر سيان.
وبالرغم من تهيؤ مناخ الثورة في المنطقة - والمملكة جزء منها بل إنها أحد أشد الأنظمة قمعاً - وبرغم ظهور بوادر أصوات المعارضة والدعوة إلى الاحتجاج والتظاهر السلمي في مناطق مختلفة في السعودية فإن في تقديري أن النظام السعودي يجب أن لا يخشى من انتقال حمى الثورات إلى الشعب السعودي الشقيق ، ولكن يجب عليه أن يحسبها صح بالنظر إلى المستقبل وأن يقف إلى جانب الشعوب العربية ليكسب موقفاً إيجابياً لدى الشعوب، أما الأنظمة المتهالكة فإن المساعدة السعودية لن تطيل في عمرها ولن تعيد إليها روح الحياة ولن تعيد إليها الثقة المنزوعة من شعوبها و مهما راوغت واستهلكت من الوقت فإن كلمة الشعوب هي العليا . تقديم المساعدة لهذه الأنظمة القمعية في مثل هذه الظروف لن يخدم مصالح المملكة أبداً بل يسيء إلى علاقتها الخارجية بالشعوب المجاورة وسينعكس هذا الأثر سلبياً عليها في المستقبل ، وفي المستوى المحلي سيزيد موقفها هذا الاحتقان والغليان الشعبي لدى الشارع السعودي الذي ينحاز دائماً إلى مناصرة الشعوب العربية في ثورتها ضد الظلم والقهر والقمع والاستبداد والطغيان ، لأن الشعب السعودي في هذه الحالة يرى ويشعر أن قيادته لا تمثل تطلعاته ولا تلبي اهتماماته ولا تجسد مواقفه. كما أن على النظام السعودي أن لا يكرر أخطاء أنظمة القمع بقتل المتظاهرين السلميين. أقول هذا لأن الاحتجاج في السعودية ما زال بسيطاً وفي مناطق محدودة، وبالنظر إلى ظروف المملكة فإن من السهل على قيادة المملكة أن تمتص غضب شعبها فأسباب هذا الغضب بسيطة قياساً على ظروف الشعوب الثائرة في دول الجوار. وقد أحسن الملك عبد الله في استباق الغضب بتقديم تلك المزايا والإصلاحات الاقتصادية لشعبه بعد سقوط نظام مبارك، ولكن الشعب السعودي ما زال ينتظر المزيد من المبادرات الكريمة للملك عبد الله فيما يخص الإصلاحات السياسية والمدنية، فالمشكلة الاقتصادية محدودة وليست هي العامل الأساس في الاحتجاجات التي يشهدها المجتمع السعودي.
إن تحديد المشكلة هو بداية الطريق إلى معالجتها ، والتشخيص الأولي للحالة السعودية يشير إلى أن الإصابة بسيطة وقابلة للشفاء بأسهل الوسائل الممكنة وأكثرها فعالية. أقول هذا قبل أن تنزلق الأمور إلى ما لا يحمد عقباه.
يبدأ الغضب محدوداً وينتهي بثورة عارمة تعم البلاد والعباد وبدلاً من المطالبة السلمية بالإصلاح تصبح مطالبة بالرحيل ثم يتعدى ذلك إلى مطالبة بالمحاكمة. لا داعي الآن لاستصدار الفتاوى التي تحرم المظاهرات والاعتصامات والمطالبات بالحقوق والحريات. الفتاوى والخطب لن تحل المشكلة.
السعودية تحتاج فقط قسطاً من الحرية والحقوق المدنية والمشاركة السياسية لشعبها. ولكن بشرط أن لا تتلوث أيدي نظامها بدماء المواطنين الأحرار الذين يعبرون عن آرائهم ويطالبون بحقوقهم سلمياً. فحين تسفك الدماء من أجل قضية يصبح من الصعب معالجتها بغض النظر عن حجم المشكلة.
أثق جيداً أن قيادة المملكة ستستفيد من الأخطاء التي ارتكبتها الأنظمة القمعية المجاورة وأن لا تكرر نفس الأخطاء ، وإلا فإن الثورات قد حاصرتها من كل مكان ولا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم. هذا ما تحتاجه السعودية على المستوى المحلي. أما على المستوى العربي والإقليمي فإذا استطاعت المملكة بحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله احتواء الموقف الداخلي فعليها أن تعيد النظر في حساباتها المستقبلية المتعلقة بالسياسة الخارجية وخاصة علاقتها بشعوب الجوار الثائرة وعلاقتها بإيران والكيانات الإقليمية الأخرى وموقفها إزاء القضايا العربية وفي مقدمتها قضية الصراع العربي الإسرائيلي.