بسم الله الرحمن الرحيم
لغة الصمت ..(أقصوصة)
عبدالغنى خلف الله
الحلقة الأولى
هأنا أعود لدواتى كما يعود العاشق لحبيبته الأولى ..صحيح إننى لا أكتب وأمارس لغة الصمت لا أكثر ..ألا يقولون أن الصمت يكون أحياناً أبلغ من صخب الكلام ..ولمن تُرسم الكلمات يا زمان الرهق المقيم ؟! لكأنك يا قلبى صخرة أُقتلعت من جذورها ..لكنك حين تدحرجت من أعلى قمة فى الجبل ..كنت نزقاً و صاخباً فى انزلاقك المثير وأنت تدهس الشجيرات الصغيرة التى أدمنت قُبلات الهواء الطلق ساعة الأصيل وهى تتمايل يمنةً ويسرًة فى رقصة هادئة بإيقاع نافذ ..ومع كل الصخب والضجيج الذى تلونه قبعات الغبار الصاعد إلى فضاءات السهل الفسيح قلت الكثير قبل أن ترتاح على هُدب التلة الصغيرة اسفل الوادى ..وضاع صوتك عبر الأثير ..نعم حبيبتى ..أرجوك لا تدلفى إلى ذاكرتى الآن ..إنتظرينى قليلاً ..أعدك بأن أعود إليك ولى معك وقفات ووقفات ...لكن ..أففِ لقد مللت الانتظار حبيبى..أعطينى بضعة ثوان وسألتقيك ..أعدك بذلك .. قال لى الموظف القابع خلف نافذته الزجاجية .. بطاقتك الشخصية لو سمحت ..أدخلت يدى فى جيب سترتى وبعد أن تاهت كثيراً فى ثنايا أوراقى المهترئة عثرت على البطاقة ..ملمسها الناعم دلنى عليها ..أخرجتها وقبل أن اقدمها له تأملت صورتى الفوتغرافية المختبئة خلف الغطاء البلاستيكى المتآكل من جميع زواياه .. قالت لى عيناى ..أما تعبت يا صديقى من الركض بحثاً عن الذات ..مذ متى وأنت تقرع ابواب السادة الكبار دون أن يلتفت إليك أحد منهم .. تناولها منى وقال لى تفضل بالجلوس ريثما يتصل بنا سيادة المسئول .. قلت له أنا فى عجلة من أمرى .. أرجوك إتصل به عبر هاتفكم الداخلى .. قال لى بكبرياء مصطنع نحن لا نتصل .. هو من يتصل .. لكن ..عزيزي الفاضل ..إنه يعرفنى بالاسم .. لطفاً قل له فلان يطلب الإذن بمقابلتك .. ابتسم فى خبث وهو يقول لى .. هل لديك موعد مسبق ؟.. قلت له لا ..إذن عليك بالجلوس هنالك ..اخرجت قلمى وكتبت على وريقة صغيرة .. عزيزي فلان .. أنا بغرفة الاستقبال .. تناولها منى ورمى بها جانباً ..قلت لك يا استاذ غير مسموح لنا بالاتصال أو تمرير المذكرات الخطية إلى الداخل ..ألأ تفهم ؟!! .. نعم أفهم .. أفهم جداً وبكل تأكيد .. غادرت المكتب وقبل أن أعبر الطريق أخذت نفساً عميقاً والتفت خلفى لأري ذاك الموظف وهو يضحك من أعماقه مع زميل له كان يجلس بقربه يستمع إلى حواري معه دون أن ينبس ببنت شفة وهو يضع قلماً انيقاً فى فمه وقد توقف عن كتابة شيء أمامه فى وريقة صغيرة حملت فى أعلاها عنوان واسم المؤسسة تلك ..نعم حبيبتى ..ها قد عدت إليك ..لقد صرت قاسياً حبيبى ومعاملتك لى تشعرنى بأنك ما عدت تحبنى ..كيف تقولين هذا الكلام غاليتى ..أنا أحبك .. ولو كنت فى هذه اللحظة لوحدى لصرخت بأعلى صوتى .. أحبك .. احبك ..ولكننى أفقد فى هذه اللحظة بعضا من نفسى .. فقد رفضونى ..رفضونى .. بكل بساطة وبدون إعتذار .. رفض طلبى حبيبتى ..تصورى .. إييه يا دنيا ..ما هذا الذى يحدث لى ؟!! .