هؤلاء ليسوا كأولئك .
لم يرقأ لمثقفي عصر الإنكسار دمع في ليلهم المترع بالنواح وهم يسكبون العبرات على قبري الحلاج والجعد بن درهم الذين ذهبا ضحية القمع الفكري وقطع طريق حرية الرأي الممتد بطول مسافات تاريخ أمتنا الزماني والمكاني - بحسب مفهومهم المبني علىأهدافهم المنحرفة -بيد أنهم يمرون سراعاً ولا يتوقفون عند نقطتي الإمامين أحمد بن حنبل وأحمد بن تيمية الذين سُجنا وعُذّبا بسبب تمسكهما بآراءهما التي دافعا عنها وتحمّلا الأذى من أجلها ..
كيف لنا أن نفسّر هذا التباين في الموقفين ..أليس هؤلاء كأولئك ..
............
ماذا نسمي هؤلاء ؟..
الملتصقون بالليبرالية في بلادنا يُنادون بالحرية ويستبد بهم الحنين وهم يقفون على شرفات الشوق انتظاراً للقاء مولودتها / الديمقراطية . إلا أن التناقض المتجذر في دواخلهم يفضحهم بانعكاسه على أرض واقعهم ..وجدناهم يُنددون بالديمقراطية في الكويت التي جاءت بالإسلاميين إلى مجلس الشعب في حين أنهم على طرف النقيض شادوا بذكر الحكومة العراقية التي جاءت على ظهر دبابة الإمبريالية الأمريكية ...ماذا نسمي هؤلاء ؟!
............
أصنام حضارة ..
في ظل المآسي التي تضيق دائرتها حول أعناقنا لابد أن نروّح عن النفس بشيء من طُرف الحداثيين في بلادنا الذين ما برحوا يتغنون بآثار أمم سادت في عصور انحطاط القيم الإنسانية حين كان يُقدّم الإنسان طُعماً للوحوش في سبيل إدخال البهجة إلى قلب انسان آخر .
فاضت نصوصهم الملتصقة ظلماً بالشعر بقيح تلك الأمم المتمثل في مفردات تحمل مدلولات تتنافى وما نؤمن ونتخلّق به ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ( زيوس /كيوبيد / افروديت /فينوس / نيرفانا / ديانا ...الخ ) أما كان الأولى بهذا البدوي الذي توسّد كثبان جزيرة العرب وتدثّر بسماءها أن يتغنى بموروثه الجاهلي القديم الذي يتناغم مع جهله وتعلقه بما لا يمت لدينه بصلة , أما كان الأولى به أن يتغنى بـــــــ هبل واللات والعزى ومناة .......الخ أم أن هذه أصنام تخلّف وتلك أصنام حضارة ...
............
للبيت رب يحميه ..
- للبيت رب يحميه - قاله ذات عجز عبدالمطلب بن هاشم حين لم يكن بمقدوره أن يواجه أبرهة برجاله وأفياله , قالها وأسلم وجهه لله عز وجل الذي مزّق جيش أبرهة بحجارة صغيرة حملها جند من جنود الله ...
في عصرنا المنكسر هذا قالها الملتصقون بالحرف حين أقضّت مضاجهم صيحات الاحتجاج على عبارات حُشرت في أسطر صبية لم يبلغوا في الحرف الحلم بعد , عبارات لا هدف منها سوى التطاول على ذات الله العظيمة وعلى الثوابت والمقدّسات .. حين جوبه هؤلاء بالسؤال الذي وقف في طريقهم ( ما هذا ؟) . وقفوا مدافعين عن تلك العبارات السيّئة بقولهم - للبيت رب يحميه - وهو من يُحاسب هؤلاء على فعلهم وقولهم . وزاد الراسخون في الجهل منهم بالقول - يجوز التطاول على الله في سبيل خدمة النص الأدبي - ..
ولو سلّمنا جدلاً بأقوالهم تلك وبأن كل انسان سيُحاسب يوم البعث فقط أما دنيوياً فلكل انسان الحرية فيما يقول ويكتب , لو سلّمنا جدلاً بهذا فلِمَ أرسل الله الرسل بشرائعه التي تنظم علاقة الانسان بالله وعلاقة الانسان بالانسان , لماذا لم يترك الله الانسان في الدنيا ريشة تتلاعب بها الأفكار المنبثقة عن أهواء البشر ونزغات الشياطين ..
.
ابن المدينة / يوسف الحربي