إن تعريف "الصورة الفنية"مصطلح حديث صيغ تحت وطأة التأثر بمصطلحات النقد الغربي والاجتهاد في ترجمتها قإن الاهتمام بالمشكلات التي يشير إليها المصطلح قديم, يرجع إلى بدايات الوعي بالخصائص النوعية للفن الأدبي,قد لا نجد المصطلح-بهذه الصيغة الحديثة- في الموروث البلاغي والنقدي عند العرب ولكن المشاكل والقضايا التي يثيرها المصطلح الحديث ويطرحها موجودة في الموروث؛وإن اختلفت طريقة العرض أو التناول, أو تميزت جوانب التركيز ودرجات الاهتمام.
إن الصورة الفنية هي الجوهر الثابت والدائم في الشعر, قد تتغير مفاهيم الشعر ونظرياته,فتتغير بالتالي مفاهيم الصورة الفنية ونظرياتها, ولكن الاهتمام بها يظل قائماً ما دام هناك شعراء يبدعون, ونقاد يحاولون تحليل ما أبدعوه,وإدراكه,والحكم عليه.وقد قدّم النقد العربي عبر قرونه المتعددة مفاهيمه المتميزة التي تكشف عن تصوره الخاص لطبيعة الصورة الفنية وأهميتها ووظيفتها.وأفاد في تكوين هذه المفاهيم من تحليله البلاغي للنصوص الشعرية والقرآنية" .وإن الكشف عما توصّل إليه الموروث النقدي من إنجازات تتصل بقضية الصورة الفنية يتم بدراسة جوانب ثلاث بالغة الأهمية,أول هذه الجوانب هو الخيال؛أو الملكة التي تشكل صور القصيدة,وتصل ما بينها في عمل أدبي..وثانيها:دراسة طبيعة الصورة ذاتها,باعتبارها نتاجاً لهذه الملكة, ونسيجاً متميزاً من العلاقات اللغوية,يقدم المعنى تقديماً حسياً...وثالثها:دراسة الوظيفة التي تؤديها الصورة الفنية في العمل الأدبي,وأهميتها للمبدع والمتلقي على السواء.وإن الكشف عن هذه الجوانب يكشف عن الأساس النظري المتكامل لأي نظرية أصيلة في الصورة.
أما عن طبيعة الصورة ذاتها فيُنظر إليها من زاويتين,تراعي كل منهما جانباً من جانبي الصورة في مفهومها القديم,يتوقف الجانب الأول عند الصورة باعتبارها أنواعاً بلاغية,هي بمثابة انتقال أو تجوّز في الدلالة لعلاقة مشابهة كما يحدث في التشبيه والاستعارة.ويعالج الجانب الثاني طبيعة الصورة باعتبارها تقديماً حسياً للمعنى.وقد لاحظ النقاد علاقة الصورة بمدركات الحس, وقدرتها المتميزة على مخاطبة إحساسات المتلقي,وإثارة"صورة ذهنية"في مخيلته,ولقد دعمت المعارف الفلسفية المترجمة فهم هذا الجانب من الصورة,كما أنها شجعت الميل إلى حصر الصورة في النمط البصري وحده"فكان أفضل الوصف ما قلب السمع بصراً"وتنحصر أهمية الصورة الفنية فيما تُحدثه من معنى من المعاني من خصوصية وتأثير,ولكن أياً كانت هذه الخصوصية,أو ذاك التأثير فإن الصورة لن تغير من طبيعة المعنى في ذاته,إنها لا تغير إلا من طريقة عرضه, وكيفية تقديمه ولكنها-بذاتها- لا يمكن أن تخلق معنى,بل يمكن أن تحذف دون أن يتأثر الهيكل الذهني المجرد للمعنى,هذا كان في القديم,أما الآن وقد كثرت الأبحاث في الصورة الفنية ذهب بعض الأدباءء والكتّاب إلى أن الصورة الفنية لا يمكن أن تُحذف لأنها تشكل جوهر القصيدة مع الصور الفنية الأُخرى,وإن حذف أي منها يؤدي إلى تخلخل النص وسقوط بنيانه.
وتبلغ أهمية الصورة الفنية من طريقتها الخاصة في تقديم المعنى,وتأثيرها في المتلقي,ولكن ما هي أبعاد ذلك التأثير؟وهل ينحصر مداه في نوع من المتعة الذهنية الخالصة,فيعجب المتلقي ببراعة الشاعر في بناء صوره وتلطفه في الدلالة على معانيه فحسب؟أم أن تأثير الصورة يتعدى حدود هذه المتعة الشكلية,فيثير انفعالات المتلقي إثارة خاصة,تدفعه إلى موقف أو سلوك بعينه ؟...عند هذا المستوى نجد أنفسنا نتجاوز تأثير الصورة في ذاته إلى تأمّل طبيعة الاستجابة التي تعقبه أو تصاحبه,في ضوء تصوّر أعمّ يتصل بوظيفة الشعر وأهميته.
ومن الطبيعي أن تترك الوظيفة الاجتماعية للشعر على النحو الذي عُرفت به في الموروث آثارها في تصور الجانب الوظيفي من الصورة .."فلن تكون الصورة وسيلة ضرورية يستكشف بها الشاعر تجربته الخاصة فضلاً على أنها لن تنبع من حاجة الشاعر الداخلية إلى التعبير عن مشاعره وانفعالاته بقدر ما تصبح إحدى الوسائل التي يقنع بها الشاعر جماهيره التي تستمع إليه,ويدفعها إلى فعل أو انفعال..."