على أبواب بغداد
مـؤجـلٌ فـرحـي يــا مـوســمَ الـفــرحِ
والحـزن مُغتبقـي والـهـمُّ مصطبـحـي
مـؤجــلٌ فـرحــي فـالـمـوتُ يتـبـعـنـي
كالظـلِّ كـالـروحِ كـالآهـاتِ كالشـبـحِ
كــلُّ الفـصـولِ شـتـاءٌ بــرد ه وجـــعٌ
والخبـزُ مُـرٌّ وخمـرُ الآهِ فــي قـدحـي
كالغـيـمِ يعـلـو سمـائـي ثــمَّ يُمطـرنـي
حـزنُ الوجـوهِ فلـمْ أصـرخْ ولـمْ أبــحِ
يـالـيـلُ ظلمـتـنـا مـهـمــا أردتَ لــنــا
الـفـجــرُ آتٍ إلـيـنــا طــيّــبَ الـمـنــحِ
أدري بــأنّـــكَ مـغــتــالٌ لضـحـكـتـنـا
أظافـرُ السـوءِ لـم تذهـبْ ولــم تَـطُـحِ
تـظــلُّ كـرمـتـنـا عـنـقـودهـا وطــــنٌ
رغــمَ السفـيـهِ ورغــمَ الـقـادمِ الـوقـحِ
بــغـــدادُ فـاتــنــةٌ تـبــقــى جـدائـلـهــا
عطـرَ الغيـومِ وطـعـمَ الـكـرْمِ والبـلـحِ
تبـقـى الحبيـبـةَ فــي قـلـبـي أخـبّـؤهـا
عـن عيـنِ حـاسـدةٍ جـربـاءَ لــم تَـنُـحِ
أهـدابـهـا وطـــنٌ لـلـحـسـنِ أجـمـعِــهِ
فــمُ الـزمـانْ سـيـروي نــادرَ الـمُـلَـحِ
وكـفّــهــا كـــــرمٌ لـلــنــاسِ تــبــذلُــهُ
كـبـذلِ شـهــمٍ عـلــى عـلاِّتــهِ سَـمِــحِ
اللهَ مــن عـاشـقٍ فـــي حـبـهـا دنـــفٍ
بالـحـبِّ بالصـبـر بـالإيـمـانِ مـتـشـحِ
بـغـدادُ كالـمـوصـلِ الـحـدبـاءِ ثـاكـلـةً
كالـقـدسِ هيمـانـةً فــي أختـهـا رفـــحِ
ياسـدرة المبـتـدى كـفّـاي قــد يبـسـتْ
بـآسـمِ الـعـراق هيامـاتـي ومفتـتـحـي
لــه غـنـائـي عـلــى الـجُـلّـى أكـابــدهُ
هــو الحبـيـبُ لــهُ حـبّـي وممـتـدحـي
مواجـعُ الـروحِ فــي عيـنـيَّ أرسمـهـا
جرحـاً بصـدرٍ مـع الآمــالِ منـشـرحِ
يامنـيـة النـفـسِ يــا بـغـدادَ يــا رئـــةً
أغازلُ النهرَ في حزني وفـي مرحـي
وحبُّـك الـروح فـي الأضـلاعِ أحملهـا
إنْ بُحـتُ بالعشـقِ يومـاً فيـكِ لـمْ أبُـحِ
فـأنـتِ أكـبـرُ مــن شـعـرٍ ومــن كـلـمٍ
ومـــن بـقـايـا قـوامـيـسٍ ومـصـطـلـحِ
ضـفــافُ دجـلــةَ لا تُـنـسـى مفاتـنـهـا
لـعـاشــق دنــــفٍ لـلـحــبِّ مـجـتــرحِ
===
بـغـدادُ فاتـنـةٌ مـــن حسـنـهـا بُـهِــروا
ومـن هـوى ضفتيهـا غـارت الصـورُ
ومنْ جمـال ربـوع المجـدِ قـد طلعـتْ
تـلـكَ السـنـونُ وغـنّـتْ تلـكـمُ الـسـيـرُ
بغـدادُ جوريـةُ فــي الأرض عـاطـرةٌ
ما جفَّ يومـاً علينـا ضوعهـا العطـرُ
حــوريـــةٌ فـــــي الأرض تـكـسـبـهـا
نـضـارَ وجــهٍ ولـيـلُ الـريـح معتـكـرُ
مضى زمانٌ ووجهُ الريح إنْ عصفت
هوجـاً علـى قدميـهـا الـريـحُ تنكـسـرُ
كالغصـن مـيّـادةٌ فــي حسنـهـا تــرفٌ
على الضفـاف جمـالُ الغيـدِ والسـررُ
(أمـطــارُ أسـئـلـةٍ) تـغـتـالُ ذاكـرتــي
أيـن الليـالـي وأيــنَ العـشـقُ والـوتـرُ
مـــاذا جنـيـنـا مـــن الآثـــام يخنـقـنـا
حــبــلُ الفـجـيـعـةِ والآثــــامُ تـغـتـفـرُ
كمْ صرخةٍ فـي ثنايـا الـروح ترسلهـا
روحٌ بـهـا الـجـرحُ ينـبـوعٌ ومنفـجـرُ
أعـشـابُ ذاكـرتـي فــي ريقـهـا ظـمـأٌ
صحراؤهـا يبسـتْ قـد عافهـا المطـرُ
مـلامـحُ الـفـجـر قـــد زادت بـلادتـهـا
فالليلُ يغفـو علـى الاضـلاع والحجـرُ
سـلاسـلُ اللـيـل قــد شُــدّتْ بأضلعـنـا
والريـحُ منـهـا غـبـارُ الـمـوتِ ينتـثـرُ
أمـرّغ الصـوتَ فـي عـشْـبٍ وأحمـلـهُ
فيسقط ُ القلـبُ فـي الامـواج يحتضـرُ
فـــــلا فــنـــارٌ لـبــحّــار شــواطــئــهُ
تـنـأى وليـسـتْ عـلـى ظلمـائـهِ قـمــرُ
للبـحـر رائـحـة ٌ مــا خانـهـا صــدفٌ
تغشـى الوجـوهَ لهـا الشـطّـانُ تنتـظـرُ
هــذا الـعـراق بـحــارٌ فـــي مـواهـبـهِ
من باطن البحر قـد تستخـرج الـدررُ
بــغــدادُ ثـاكـلــةٌ أبـنـاؤهــا ذ ُبــحــوا
دمـاؤهـم سُـفـحـت كالـغـيـث تنـهـمـرُ
فـألــفُ أمّ عـلــى أبنـائـهـا صـرخــتْ
حتـى خُرسـنـا ومـلّـتْ موتـنـا الحـفـرُ
حتـى الـشـوارعُ مـلّـتْ مــن مذابحـنـا
والقـاتـلـون عـلــى أنّـاتـنــا ســكــروا
دولارهـــم هُـبَــلٌ يـنـكــبُّ عـابـدهــمْ
عــلـــى عـــبـــادةِ دولارٍ ويـعـتــمــرُ
===
بـغــدادُ فـاتـنـةٌ فـــي هـامـهـا الألــــقُ
تبقى برغم الـذي خاطـوا ومـا رتقـوا
كــم مــرّةٍ عـبــرتْ أذنـــابُ فـاجـعـةٍ
طـوتْ يديـهـا وعــاد الفـجـر والفـلـقُ
وعـادت الأرضُ تزهـو مـن منابرهـا
وينكـفـي مُـدبـراً فــي لـيـلـهِ الـخــرِقُ
مــرَّ التـتـارُ هـنـا والــرومُ جحفـلـهـمْ
تاهـتْ بـهِ مـن غبـارِ خيولنـا الطـرقُ
فــشــهــرزادُ حـكــايــاهــا مـنــمّــقــةُ
مــن ألـــفِ ليلـتـهـا زهـــوٌ ومـؤتـلـقُ
كـمْ شهـرزادٍ ستـروي مــن مواجعـنـا
عـلــى الـمـسـامـعِ آلآمــــاً وتـخـتـنـقُ
كــمْ ألـــفِ لـيـلـةَ للـسـمـارِ تحـزنـهـمْ
كـمْ آهـةٍ مـن زوايــا الــروحِ تنطـلـقُ
يـالـصَّ بـغــداد آلافٌ هـنــا ظـهــروا
وأنـتَ تلميـذهـمْ بالمـكـر ِ قــد حـذقـوا
والـسـنـدبـادُ لــــه أحــفــادُ غـربــتــهِ
بكـلّ أرض بهـذي الأرض قـد شنقـوا
ياشـهـرزادُ تعـالـي وآكتـبـي قصـصـاً
جميعـهـا وجــعٌ حـفّـتْ بـــهِ الـحــرقُ
حـتــى خـرافــةُ لـــم تـبـلـغْ كــواذبُــهُ
مـمّــا رأيــنــا خــيــالاً ضــمّــهُ ورقُ
ودجـلـةُ الخـيـر لا تـجــري منابـعـهـا
إلاّ دمــاً مــن رقــاب الــوردِ يـنـدلـقُ
والنـخـلُ مــن دمـنـا تُـــروى منـابـتـهُ
والـغـيـمُ يـمـطـرُ سـجّـيـلاً فـنـحـتـرقُ
كأننـا لـم نـكـنْ فــي الأرض كوكبـهـا
ولا آسـتـقـام لــنــا فــجــرٌ ولا ألــــقُ
ولا آستـنـارتْ بـطـاحٌ مــن كواكـبـنـا
فــي عـتـمـةِ الـلـيـل والآلامُ تنـسـحـقُ
مـاذا جـرى يـازمـان الـلـؤم تسحقـنـا
وآهـة الصبـر فـي الأضـلاع تمتـشـقُ
يــا شـهــرزادُ عـلــي بـابــا متـوّجـنـا
وينظـمُ الــوردَ تيجـانـاً لـمـن سـرقـوا
ويسكـبُ الزيـتَ فـوق الأهـل منتقـمـاً
طعامـهـم غـصـصٌ أتـوابـهـم خُـــرقُ
والـسـارقـون بـكــلّ الأرض منـتـجـعٌ
مـتـى تُـرانـا مــن الآهـــات ننــعـتـقُ
اللهَ مــن وطـــن كـالــروح يسكـنـنـي
الـقـلـبُ مسـكـنـهُ والـعـيـنُ والــحــدقُ