|
وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً |
كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي |
وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَهرِ |
.. كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي |
أَنا تاجُ العَلاءِ في مَفرِقِ الشَرقِ |
.. وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي |
أَيُّ شَيءٍ في الغَربِ قَد بَهَرَ الناسَ |
.. جَمالاً وَلَم يَكُن مِنهُ عِندي |
فَتُرابي تِبرٌ وَنَهري فُراتٌ |
وَسَمائي مَصقولَةٌ كَالفِرِندِ |
أَينَما سِرتَ جَدوَلٌ عِندَ كَرمٍ |
عِندَ زَهرٍ مُدَنَّرٍ عِندَ رَندِ |
وَرِجالي لَو أَنصَفوهُم لَسادوا |
مِن كُهولٍ مِلءِ العُيونِ وَمُردِ |
لَو أَصابوا لَهُم مَجالاً لَأَبدَوا |
مُعجِزاتِ الذَكاءِ في كُلِّ قَصدِ |
إِنَّهُم كَالظُبا أَلَحَّ عَلَيها |
صَدَأُ الدَهرِ مِن ثَواءِ وَغِمدِ |
فَإِذا صَيقَلُ القَضاءِ جَلاها |
كُنَّ كَالمَوتِ ما لَهُ مِن مَرَدِّ |
أَنا إِن قَدَّرَ الإِلَهُ مَماتي |
لا تَرى الشَرقَ يَرفَعُ الرَأسَ بَعدي |
ما رَماني رامٍ وَراحَ سَليماً |
مِن قَديمٍ عِنايَةُ اللَهُ جُندي |
كَم بَغَت دَولَةٌ عَلَيَّ وَجارَت |
ثُمَّ زالَت وَتِلكَ عُقبى التَعَدّي |
إِنَّني حُرَّةٌ كَسَرتُ قُيودي |
رَغمَ رُقبى العِدا وَقَطَّعتُ قِدّي |
وَتَماثَلتُ لِلشِفاءِ وَقَد دانَيتُ |
.. حَيني وَهَيَّأَ القَومُ لَحدي |
قُل لِمَن أَنكَروا مَفاخِرَ قَومي |
مِثلَ ما أَنكَروا مَآثِرَ وُلدي |
هَل وَقَفتُم بِقِمَّةِ الهَرَمِ الأَكبَرِ |
.. يَوماً فَرَيتُمُ بَعضَ جُهدي |
هَل رَأَيتُم تِلكَ النُقوشَ اللَواتي |
أَعَجَزَت طَوقَ صَنعَةِ المُتَحَدّي |
حالَ لَونُ النَهارِ مِن قِدَمِ العَهدِ |
.. وَما مَسَّ لَونَها طولُ عَهدِ |
هَل فَهِمتُم أَسرارَ ما كانَ عِندي |
مِن عُلومٍ مَخبوءَةٍ طَيَّ بَردي |
ذاكَ فَنُّ التَحنيطِ قَد غَلَبَ الدَهرَ |
.. وَأَبلى البِلى وَأَعجَزَ نِدّي |
قَد عَقَدتُ العُهودَ مِن عَهدِ فِرعَونَ |
.. فَفي مِصرَ كانَ أَوَّلُ عَقدِ |
إِنَّ مَجدي في الأولَياتِ عَريقٌ |
مَن لَهُ مِثلَ أولَياتي وَمَجدي |
أَنا أُمُّ التَشريعِ قَد أَخَذَ الرومانُ |
.. عَنّي الأُصولَ في كُلِّ حَدِّ |
وَرَصَدتُ النُجومَ مُنذُ أَضاءَت |
في سَماءِ الدُجى فَأَحكَمتُ رَصدي |
وَشَدا بَنتَئورَ فَوقَ رُبوعي |
قَبلَ عَهدِ اليونانِ أَو عَهدِ نَجدِ |
وَقَديماً بَنى الأَساطيلَ قَومي |
فَفَرَقنَ البِحارَ يَحمِلنَ بَندي |
قَبلَ أُسطولِ نِلسُنٍ كانَ أُسطولي |
..سَرِيّاً وَطالِعي غَيرَ نَكدِ |
فَسَلوا البَحرَ عَن بَلاءِ سَفيني |
وَسَلوا البَرَّ عَن مَواقِعِ جُردي |
أَتُراني وَقَد طَوَيتُ حَياتي |
في مِراسٍ لَم أَبلُغِ اليَومَ رُشدي |
أَيُّ شَعبٍ أَحَقُّ مِنّي بِعَيشٍ |
وارِفِ الظِلِّ أَخضَرِ اللَونِ رَغدِ |
أَمِنَ العَدلِ أَنَّهُم يَرِدونَ الماءَ |
.. صَفواً وَأَن يُكَدَّرَ وِردي |
أَمِنَ الحَقِّ أَنَّهُم يُطلِقونَ.. |
الأُسدَ مِنهُم وَأَن تُقَيَّدَ أُسدي |
نِصفُ قَرنٍ إِلّا قَليلاً أُعاني |
ما يُعاني هَوانَهُ كُلُّ عَبدِ |
نَظَرَ اللَهُ لي فَأَرشَدَ أَبنائي |
.. فَشَدّوا إِلى العُلا أَيَّ شَدِّ |
إِنَّما الحَقُّ قُوَّةٌ مِن قُوى الدَييانِ |
.. أَمضى مِن كُلِّ أَبيَضَ هِندي |
قَد وَعَدتُ العُلا بِكُلِّ أَبِيٍّ |
مِن رِجالي فَأَنجِزوا اليَومَ وَعدي |
أَمهِروها بِالروحِ فَهيَ عَروسٌ |
تَسنَأُ المَهرَ مِن عُروضٍ وَنَقدِ |
وَرِدوا بي مَناهِلَ العِزِّ حَتّى |
يَخطُبَ النَجمُ في المَجَرَّةِ وُدّي |
وَاِرفَعوا دَولَتي عَلى العِلمِ وَالأَخ لاقِ |
.. فَالعِلمُ وَحدَهُ لَيسَ يُجدي |
وَتَواصَوا بِالصَبرِ فَالصَبرُ إِن فارَقَ |
.. قَوماً فَما لَهُ مِن مَسَدِّ |
خُلُقُ الصَبرِ وَحدَهُ نَصَرَ القَومَ |
.. وَأَغنى عَنِ اِختِراعٍ وَعَدِّ |
شَهِدوا حَومَةَ الوَغى بِنُفوسٍ |
صابِراتٍ وَأَوجُهٍ غَيرِ رُبدِ |
فَمَحا الصَبرُ آيَةَ العِلمِ في الحَربِ |
..وَأَنحى عَلى القَوِيِّ الأَشَدِّ |
إِنَّ في الغَربِ أَعيُناً راصِداتٍ |
كَحَلَتها الأَطماعُ فيكُم بِسُهدِ |
فَوقَها مِجهَرٌ يُريها خَفايا |
كَم وَيَطوي شُعاعُهُ كُلَّ بُعدِ |
فَاِتَّقوها بِجُنَّةٍ مِن وِئامٍ |
غَيرِ رَثِّ العُرا وَسَعيٍ وَكَدِّ |
وَاِصفَحوا عَن هَناتِ مَن كانَ مِنكُم |
رُبَّ هافٍ هَفا عَلى غَيرِ عَمدِ |
نَحنُ نَجتازُ مَوقِفاً تَعثُرُ الآراءُ |
.. فيهِ وَعَثرَةُ الرَأيِ تُردي |
وَنُعيرُ الأَهواءَ حَرباً عَواناً |
..مِن خِلافٍ وَالخُلفُ كَالسِلِّ يُعدي |
وَنُثيرُ الفَوضى عَلى جانِبَيهِ |
..فَيُعيدُ الجَهولُ فيها وَيُبدي |
وَيَظُنُّ الغَوِيُّ أَن لا نِظامٌ |
وَيَقولُ القَوِيُّ قَد جَدَّ جِدّي |
فَقِفوا فيهِ وَقفَةَ الحَزمِ وَاِرموا |
جانِبَيهِ بِعَزمَةِ المُستَعِدِّ |
إِنَّنا عِندَ فَجرِ لَيلٍ طَويلٍ |
قَد قَطَعناهُ بَينَ سُهدٍ وَوَجدِ |
غَمَرَتنا سودُ الأَهاويلِ فيهِ |
وَالأَمانِيُّ بَينَ جَزرٍ وَمَدِّ |
وَتَجَلّى ضِياؤُهُ بَعدَ لَأيٍ |
وَهوَ رَمزٌ لِعَهدِيَ المُستَرَدِّ |
فَاِستَبينوا قَصدَ السَبيلِ وَجِدّوا |
فَالمَعالي مَخطوبَةٌ لِلمُجِدِّ |