قبل أن تنقضي ساعة كان قد أعلن عن موعد إقلاع الطائرة .
جلس يتحسسُ تجاعيد المسافة المتبقية و يرتشفُ قهوة الغائبة ، كان الراحلون منتشين يهزون حقائبهم و أردافهم في آن ،
بدوا كجوقة من حمام مهاجر في عرس هارب من برد موعود ، وهو يجاهد كيما يغلق فمه الذي ما انفك فاغرا ،
مع طيف النون الماثل أمامه حاول جاهدا الانشغال باليافطات المرفوعة فوق الهامات ،
جلّ ما كان يخشاه أن يتغيروا و يتبدلوا عن مشاعرهم و ينسوا ما كان ،
ثم اتسعت بؤرة التحديق وراح يكبر مع مضي الدقائق و يندلق من عينيه الحنين ، فيغدو أكبر و هيئته باتت رمادية اختلط فيها الشك باليقين بقلبه المكلوم ،
ولَكَم أثرى الشُجون عطر هذه العابرة اللحظة التاريخية و ما تعرضه من رِقّة ، قال في نفسه إنه الهلاك إنه الهلاك و أطبق على أنفاسه ،
عبثا حاول هذا المهيض النهوض في تَذَكُر أن الهجرة هي الشيء الوحيد الممكن امام ذلك الحكم الجائر ،
هَوَت أجوافه فوق الرميم و هَوى بدوره ، و هاهي تنزلق من بين أصابعه فتقطر إلى فنجانه وصاروا يترجلون من بعدها الواحد تلو الآخر من ذاكرته ، .