شيء عن السرقة ..
من سرق حذائي ؟
متى كان أول سرقة في التاريخ ؟ كيف حدثت ؟ ومن كان أول سارق ؟ وما كان أول شيء مسروق ؟
أسئلة لا نملك الاجابة عنها ..
ولكنها بدأت .. لا شك .. في لحظة ما .. من حالة ما .. من فلسفة ما .. في زمن ما .. ربما يكون سحيقاً في عمق التاريخ ..
فالألواح الطينية تهمس في آذاننا عن قوانين وتشريعات سنت عقوبة لردع السارق ، فتخبرنا اللوح الطيني الذي يحتوي على قانون ( عشتار ـ 1934 ـ 1924 ق . م ـ ) في المادة ( 10 ـ 11 ) انه في حالة القبض على السارق في بستان ، فإنه يعوض عما سرق .
بينما يخبرنا قانون ( اشنونا ) في المادة ( 12 ـ 13 ) على ان السارق الذي يقبض عليه نهاراً داخل سياج ( مشكينم ) يعاقب بمبلغ عشر ( شيقلات ) من الفضة ، اما ليلاً فان عقوبته الموت .
وتطرق قانون ( حمورابي ) إلى جريمة السرقة في مواد عديدة ، حيث تنص هذه المواد على قتل السارق " إذا سرق رجل حاجة تعود إلى إله أو قصر يُقتل ذلك الشخص ويُقتل الذي استلم المسروقات من يده " و " يقتل السارق إذا ثبت انه يبيع مفقودات وهي ليست مفقودات " .
كما أن جميع الديانات السماوية تحرم السرقة ، فنجد أن الله تعالى يقول لموسى عليه السلام في الوصايا العشر في التوراة ( لا تسرق ) .
وعندما جاء ذلك الشاب يسأل المسيح عليه السلام عن العمل الصالح ، أجابه المسيح بأن يعمل بالوصايا ، فلما يسأله الشاب عن الوصايا , يرد المسيح قائلاً : ( لا تقتل , لا تزن , لا تسرق , لا تشهد بالزور , أكرم أباك و أمك , و أحب قريبك كنفسك ) .
أما القرآن الكريم فقد تحدث عن عقوبة السرقة ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) .
وكذلك توعد أولئك الذين يسرقون الناس في وضح النهار ، الذين يطففون الكيل والميزان ويبخسون الناس اشياءهم ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) ) .
وفي قصة الصديق يوسف عليه السلام كلام عن السرقة ( قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ) وأصل هذه المسألة ـ كما في التفاسير ـ أن يوسف كان يحيا عند عمته . عندما كبر وأرادوا أن يأخذوه أرادات العمة أن تستبقيه فدست في متاعه تمثالاً . أو منطقة كانت لها من أبيها إسحاق وادعت أنها فقدت ذلك ؛ ففتشوا الولد فعثروا معه على الشيء الذي ادعت عمته سرقته فاستبقته بشرع بني إسرائيل .
أما صاحب الظلال فيقول : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل . . وتنطلق الروايات والتفاسير تبحث عن مصداق قولهم هذا في تعلات وحكايات وأساطير . كأنهم لم يكذبوا قبل ذلك على أبيهم في يوسف ; وكأنهم لا يمكن أن يكذبوا على عزيز مصر دفعا للتهمة التي تحرجهم , وتبرؤا من يوسف وأخيه السارق , وإرواء لحقدهم القديم على يوسف وأخيه ! لقد قذفوا بها يوسف وأخاه !
وكذلك نجد قصة سرقة صواع الملك ، التي كانت تدبيراً من الله تعالى ليوسف ، حتى يبقي اخاه معه في مصر ، وحتى يتوب اخوته ويستغفروا لجرائمهم ، ومن ثم يجيئوا الى مصر آمنين (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) ) .
وفي الحديث الشريف ( لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده ) متفق عليه .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا أَوْ قَالَ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ) رواه احمد في مسنده .
وكأي شيء فإن وسائل السرقة وطرقها تطورت وتنوعت عبر العصور ، فالآن تسرق أصوات المنتخبين ـ بكسر الخاء ـ ، وهناك من يسرق شعبه .
ومن الناس من يسرق من خلال الانترنت عن طريق رسائل الكترونية كاذبة . أو عن طريق النقّال ( الموبايل ) .
وهناك من يسرق الأحذية والأشياء في المسجد الحرام !!
وفي أحد الأيام خرجت من المسجد لأجد حذائي المتواضع جداً والمهتريء جداً قد سُرق ، وقد كان من أرخص الأحذية وكنت قد لبسته دهراً ..
لا أدري لماذا ..
ربما أراد السارق أن يحصل على البركة !!
حكى ابن الجوزي في أحد كتبه أن أحد القصاصين كان يعظ الناس في مسجد من مساجد البصرة وقد أجاد في التأثير بعواطف مستمعيه حتى أنهم كانوا جميعاً يبكون، وعندما أراد الخروج اكتشف أن حذاءه قد سرق فقال :
ويحكم كلكم تبكون .. فمن سرق حذائي ؟!