بسم الله والحمدُ لله.
كلمة الإبداع كلمة كبيرة .. تقفزُ فوق الأشكال والتقليد والجمود.
وهي من حيث قفزها فوق الأشكال والقوالب الجامدة، تُعطي وجودَها وتشكّلَها في كلّ الأشكال حتى تلك التي تبدو للبعض ليس فيها إبداعاً.
لأنّ الإبداع ليس له شكلٌ محدّد .. والنّقلُ (وضع ونقل مواضيع معيّنة وإدراجها) قد يراهُ البعضُ جموداً وتقليداً ؟؟ بيدَ أنّه في الحقيقة قد يكونُ واحداً من أبرزِ أشكال وعلامات الإبداع في صاحبه.
فإبداعُك في النّقل يتجلّى في القدرة على الإنتقاء الجميل المميّز، واختيار الباقة الأنسب والأليق ..
إنّنا في حياتنا اليوميّة نمارسُ عمليّة النّقل ( وإدراج المنقول ) من غير أن نشعر ..
فاختيارك لأثاث معيّن إلى منزلك أو غرفتك لتزيّنها به وتنتفع به أيّا كان غرضُك ، يجعلُ منك في الحقيقة ناقلاً ولا يجعلُك صانعاً لذلك الأثاث .. ولكنّ الذي سوف يجذبُ انتباه غيرك إلى الأثاث هو قدرتُك على الإنتقاء والمناسبة بين ما تريدُه من هذا الأثاث بألوانه وشكله ومنفعته من تلك الخصائص فيه ، فبقدر الجمال والمواءمة والمناسبة للظروف والحيثيات والاستعمال المطلوب والغرض الذي جئتَ به يجعلُك مبدعاً.
تماماً مثل هذا المثال ينطبِقُ على المواضيع التي ينقلُها المرءُ إلى منتدى معيّن من صفحة كتاب ، أو من درج الكتروني ..
وفي الحقيقة المبدعُ يعتبرُ ناقلاً من ملكوتِ الله وبديع حكمته وصنعه، فيقفُ على تلك الحكم البديعة والجمال بالنّظر والفكر فينقلَها لنا إلى عالم الوجود والظهور، فنشهدُها إبداعاً يتجلّى ... وليست في الحقيقة سوى جمال الله وبديع صنعه وقدرته.
يقول طالب جامعي كان على موعد قريب من التخرج :
أذكرُ حين كنتُ طالبا في موعد التخرّج وكتابة أطروحتي الجامعيّة ، كانت على قسمين : قسم نظريّ وقسم عمليّ تطبيقيّ .
أمّا التطبيقيّ والحسابات والاستنتاجات فذاك قسم واضحٌ وهو العمل الأكبر وقد أخذ منّي مع رفيقي في الأطروحة شهورا لإعداده ومتابعة البحث بصفة ميدانيّة.
أمّا القسم النّظريّ فأذكرُ أنّني ذهبتُ للمكتبة الجامعيّة وأخرجتُ مرجعا ضخما في العلم والتخصّص المطلوب .. وانتقيتُ منه ما أريد .
وكتبتُ القسم النّظريّ في ليلة واحدة من فقرات متنوّعة لأنّ لغتي الفرنسيّة لم تكن تسمحُ لي أن اصيغ العبارات بشكل أدبيّ سليم قويم، وفي الصّباح أخذناه للأستاذ المشرف علينا
فلمّا قرأ القسم النّظريّ أُعجِبَ به غاية الإعجاب، فقلتُ له لقد نقلتُه من المرجع الفلاني.
فقال الدكتور : وأيّ نقل ، لا يُحسنُ الكثيرون هذا النّقل والانتقاء.
القصّة هنا وإن كانت شخصيّةً فهي تنبيء عن قيمة النّقل في الإبداع الشخصيّ.
فالإبداع لا تحدُّه القوالب الجامدة والأشكالُ المحدّدة.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم كثيرا.