يحكى أن "مسامح بن مسالم" كان مَضرِب المثل في السلام, ويروى أن بعوضة حطت على أنفه ذات ليلة, لكنه لم يدفعها مخافة أن يجرح شعورها, أو أن يُشعرها بالفارق الطبقي بينه -كإنسان- وبينها -كحشرة-, لذا استحق أن تتناقل الألسن حكاياته الطريفة, ومنها ما سأسرده عليكم الآن, فأنصتوا جيدا.
ذات ليلة هجم اللص "مغتصب بن سفاح" على دار"مسامح بن مسالم", فاغتصب زوجته الحامل, ثم أجهضها, ثم أعمل النار في أطفاله, فأرداهم جثثا هامدة بلا حراك, ثم عاث في الدار فسادا, بينما "مسامح بن مسالم" يروح عن نفسه في ماخور بجوار البيت, فقد كان لا يبخل على متعته ولا على مزاجه –شأنه في ذلك شأن أي "مسامح بن مسالم" آخر- , وعندما عاد ثملا بعد الفجر, رأى ما كان من خراب ودمار, فأفاقه الذهول, وأخذ يتلفت يمينا وشمالا عله يدرك ما حوله, واستدار فإذا "مغتصب بن سفاح" يقف خلفه, يعبث بمدية في يمناه, ويبرم شاربه بيسراه, فما كان من "مسامح بن مسالم" إلا أن قال له (يهديك الله يا أخي, كل مشكلة ولها حل, هون عليك, أما أطفالي القتلى فهم شهداء عند الله, وأما زوجتي فلك ليلة ولي ليلة, وليكن هذا بصفة مؤقته, إلى أن نتناقش ونتداول ونتباحث ونرسم خطة طريق لمستقبلنا, ثم نقتسم الدار بالحق والعدل).
لكن القدر الجسور لم يمهل "مسامح بن مسالم" وقتا ليعلن غرفته غرفة مستقلة إلى جوار غرفة "مغتصب بن سفاح", مات البطل الأسطورة, مات صانع السلام, مات ولكن ترك خلفه واحدا وعشرين "مسامح بن مسالم" ليكملوا مشوار كفاحه.