نظرت شجرة الزّيتون يمينا، فرأت رمّانة أكبر منها سنّا، وأطول فروعا. ثمّ نظرت يسارا، فوجدت شجرة تين أضخم جذعا، وأكثر علوّا.
تضاحكت الشّجرتان عندما رأتا سمات الحيرة، والحزن تتخذان من الزّيتونة مقرّا... وكانت بادرة الحديث للتّينة:
ما بالك ترمقينني بشزر النّظر؟! أنا هنا قبلك، وأراني أكثر أهميّة لصاحب البستان منك! حتّى إنّ ربّي أكرمني بأن أقسم بي أوّلا، وأتبعك بي.
وقالت الرّمانة متباهية: أمّا أنا، فقد حباني الله بجمال جلنار يسرّ النّاظرين، ويبهر المتأمّلين، وعظم جوهر، يبقي المنتفعين مشدوهين...وأٌكرِمْتُ في كتاب ربّ العالمين.
لفّها القهر والحزن على حالها، وأغاظها ما سمعت، ولكنّها، كظمت غيظها حينما تذكّرت إكرام ربّها لها أضعافا مضاعفة، فازدادت ثقة بنفسها؛ رغم صغر سنّها وقامتها، وقالت:
إنّ ربّك، أيّتها التّينة، أقسم بك مرّة واحدة، ولكنّه، أكرمني سبع مرّات، وتبعتني زميلتك الرّمانة الجميلة بالعطف. فمن الأفضل من بيننا؟!
بدت الرّمانة حييّة، ومتواضعة، ولم تنبس ببنت شفة، وأطرقت التّينة كاسفة البال؛ متمنّية حسن الحال ...
مرّت بضع سنوات، وصاحب البستان يعتني بهنّ جميعهنّ، حتّى فوجئ، والدّهشة تعتريه، بمزاحمة الزّيتونة لجارتيها، مشرئبّة نحو الأعالي في سحق يفوقهما. وقبل أن تستوطن الحيرة في فكره، همست في أذنه:
النّور يخترق العتمة، وينشر خيوطه متلألئة... وإلّا كيف سيوقَدُ الكوكبُ الدّريّ؟!...