عامُ الخِيـــــــــــام
قصيدة مختارة للشاعر يحي الحمادي
لا أَنتَ أنتَ...ولا هذا الغَريبُ أنا
لا شَيئَ لا شَيئَ إلاّ ما يُخيفُ هُنا
لا شيئَ لا شيئَ إلاّ فِتنةٌ و دمٌ
و تُربةٌ كاليَتامى تَمضَغُ الحَزَنا
لا شيئَ إلاّ أيادٍ كلما ارتَفَعَت
تَنّهَّدَ الجُوعُ مِن تَحريكِها شَجَنا
و أُمنياتٍ إذا عُونِقنَ في لَهَفٍ
أَذَبنَ في كل صَدرٍ حَسرةً و عَنَا
يا مَوطِني يا جَريحَ الروحِ .. ما فَعَلَت
بكَ الليالي ؟ و أَهلُ الحِكمةِ الفُطَنا؟
جَنَت على نَفسِها مَن أَصبَحَت مَثَلاً
فَهَل سَيُروى بأنّا مَن عليكَ جَنَى؟!
يا مَوطِني تَعتَرينا ألفُ زَلزَلةٍ
إذا رَأَيناكَ يَوماً تستغيثُ بنا
إنا خَرَجنا ليَومٍ كُنتَ تَرقُبُهُ
كما يُراقِبُ يَومَ الصَّيحَةِ السُّجَنا
نُعانِقُ المَوتَ نَمشي في مَفاصِلِهِ
و نَرتَمي في خِضَمِّ المُشتَهى سُفُنا
كُنا و في كلِّ كَفٍّ روحُ صاحِبها
نَعدو و في كلِّ روحٍ للصَّباحِ مُنى
لأَجلِ عِزِّكَ .. لا كَي نَمتَطي رُتَباً
أو نَبتَني مِن بَقايا نَهبكَ المُدُنا
ما بالُنا إن هَتَفنا باسمِكَ انطَفَأَت
أسماؤنا ثُمَّ عُدنا نَرقُبُ الوَثَنا!
جِهاتُنا أصبَحَت تَذرُو ضَغائِنَها
على التُّرابِ و أُخرى تَدفَعُ الثَّمَنا
يا جُرحَنا وَيْكَأَنَّا ثارَ ثائِرُنا
على النَّشيدِ .. و نامَت أعيُنُ الجُبَنا
ما أبعَدَ الأرضَ عَن رِجليك يا وَطَناً
مُعَلَّقاً بينَ حُلْمٍ ناعِسٍ و غِنا
يا نِصفَ عامٍ مِن الأشواقِ في وطنٍ
كأنَّهُ صارَ مِثلي يَجتَدي وَطَنا
هذي أمانيهِ؟ أم أضغاثُ مُنتَفِضٍ
رأى على الماءِ يَوماً ظِلَّهُ فَدَنا
يا مازج النور بالأحقادِ في وطني
مَن لَم يَثُر بانتِماءٍ ماتَ مُرتَهَنا
شَلاَّلُ عَينَيك في (سُردُودَ) يَجهَلُ ما
تَقُولُهُ مَن أضاعَت طِفلَها بــ (بَنا)
و النَّائِحاتُ على الأعرافِ ما فَتِئت
تُسَطِّرُ الصَّمتَ والإذعانَ و الوَهَنا
و مَعبَدُ الشَّمسِ لا يَلوي على أَحَدٍ
ماذا تُخَبِّأُ يا عامَ الخِيامِ لَنا
يا جَنَّتَينا و ما مِن جَنَّتَيكِ سِوى
ذكرى أسامٍ ثَكالى تَعتَلي الفِتَنا
يا جَنَّتَينا و ما مِن مُهجةٍ وُعِدَت
بالفَوزِ إلاَّ أَحالَت رُوحَها كَفَنا
في أيِّ فَصلٍ سَتَخضَرِّينَ في دَمِنا
فَجراً طَريَّاً و شَعباً يَعشَقُ اليَمَنا؟
في أيِّ عامٍ سَتَفتَرِّينَ عَن لُغَةٍ
يُعانِقُ القَلبُ فيها قَلبَهُ عَلَنا؟
هذي خيامُكِ في الإسفلت واقِفَةٌ
وقَد غَدَت لِبَنِيكِ الأهلَ و السَّكَنا
سَبعاً نَطوفُ عَليها كلّ ثانيةٍ
بلا يَقينٍ و نَروي الشَّكَّ مِن دَمِنا
كُنّا نُفَتِّشُ عَن روحٍ بلا بَدَنٍ
و حينَ ثُرنا فَقَدنا الرُّوحَ و البَدَنا
لكنْ وإن طالَ عُمرُ الحُلْم إنَّ لَهُ
في كلِّ قَلبٍ جَريحٍ بالمُنى وَطَنا