في دراسة لموضوع مؤشر م/ع في الشعر والذي تعرفته لدى مباشرتي دارسة العروض الرقمي، فاجأني ما ينطوي عليه هذا العلم/ الفن من تمكين للقاريء من الغوص في البعد النفسي للنص وما اعترى الكاتب من خلجات وتغيرات في مشاعره تحكمت في مفردات هطول حسه ونبض حروفه وهو كذلك يكشف جانبا مهما من عبقرية العربية وأسرارها التي ربما تكشتف للمرة الأولى
وبمتابعة مقولات رائد هذا الفن الأستاذ م. خشان محمد خشان والذي اعتَبَره مظنة صحة، ولطالما كرر انه لا يجزم بصحته وإن كان يجد فيه كبير متعة، وجدها كل من حاول الخوض في جمالياته وقراءة مؤشرات انفعال النصوص من خلاله، علاوة على ما يجد على صحته من شواهد وما يستشعر فيه من لذة إعمال العقل سواء في تذوق النصوص أو في محاولة إثبات او نفي أوتأويل هذا المنحى التحليلي لدخلية كاتب النص
وفي محاولة أولى مني لغوص علني في عمق هذا البحر الذي أراه زاخرا بالجمال، أطرح هنا قراءتي لأبيات استوقفتني من قصيدة لا للحصار للشاعر المبدع د. سمير العمري
https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=27564
يَا أَيُّهَـا الشَّعْـبُ الأَبِـيُّ بِمَوطِـنٍ
للتوضيح نستعمل النجمة بديلا للسكون على كل من الأحرف والأرقام
يا2- أي* 2-يهش* 3 - شع* 2- بل* 2 أبي* - يُ 1- بمو* 3- طنن*3
2 2* 3* 2* 2*3* 1 3*3*
م*/ع = 7*/1 = 7.0
يَلِـدُ الرِّجَـالَ وَيَضْـرِبُ الأَمْثَـالا
1 3* 3 1 3* 3* 2* 2 2
م/ع = 4/3 =1.3
ويقوم صدر البيت هنا على نداء مشرئب العنق عميق الانفعال لشعب يستحوذ على مشاعر الكاتب ونبضه وبقراءة مؤشر م/ع نجد أن المقاطع الساكنة الآخر قد بلغ سبعة إلى واحد حيث كانت أداة النداء وحدها ممدودة الآخر، ولأكاد أجزم أن الشاعر لو وجد أداة للنداء ساكن آخرها غير أي والتي تبدأ بها أيها لأستخدمها بقرار من لا شعوره.
وبالانتقال لعجر البيت حيث ينتقل الشاعر بنا لوصف هذا الشعب بنوع من الفخر ، يكون الانفعال وفقا للسياق أقل وأهدأ لما في الفخر من ارتياح نفس ، وإن كنت لا أظنه يكون هادئا على إطلاق الهدوء ، لأن في الفخر مستوى من الانفعال قد يبدو ضئيلا أمام انفعالات الشد العاطفي ولكنه ليس بمماثل لما تكون عليه النفس في حالة الاسترخاء والحنو
وبقراءة مؤشر م/ع نجد أن المقاطع الساكنة الآخر بلغت أربعا إلى ثلاث = 1,25
وعامل الاختلاج بينهما = 7 / 1,25 = 5,6 وهو معامل مرتفع يشي فيما أرى بشيء من الراحة أصاب نفس الشاعر بما أودع الصورة التي يرسم من وصف يسر ويرضي لقومه.
ولعل مما يحسن التنويه إليه هنا أن قيمة المؤشر م / ع تكمن في نسبيته ودلالته العامة، حيث يرتفع عند توقد الحس وظهور التراكيب المعبرة عن القوة والحسم والغضب وحرقة الوجد والسرعة وغيرها من مظاهر الشد العاطفي والنفسي، وينخفض في التراكيب التي يكتنفها اللين والرضى والهدوء والحنو والتسامح والبطء وما إلى ذلك.
جَعَلُوا الحِصَارَ للانْتِصَـارِ وَمَـا دَروا
1 3* 3 1 3* 3 1 3 3*
أَنَّ السَّلاسِـلَ تُـوغِـرُ الرِّئْـبَـالا
2* 2* 3 1 3 3* 2* 2 2
والبيت هنا يحكي بشكل أقرب ما يكون للموضوعية وهذا يتطلب الهدوء والعقلانية والبعد عن مظاهر التوتر والانفعال، وبقراءة مؤشر م/ع ، يستوقفنا ذلك التساوي في مقاطع صدره وتتابعها تقريبا بين مقطع ساكن الآخر وآخر معتل ، لتحملنا الى عجز حافظ على التتابع أزواجا بعد ان كان في الصدر فرادى، فلو حاولنا رسم تموجاته على مستوى ديكارتي ينخفض معتله بوحدة واحده عن ساكنه لخرجنا بمخطط موجة منضبطة أشبه بمخطط نبض القلب المستقر النبض م/ع = 3/3 = 1 في الصدر و 4 / 4 = 1 في العجز
مما نخرج معه بعامل اختلاج مميز = 1 / 1 = 1
وهذا يدل على وحدة السياق الإخباري في الشطرين متجليا في وحدة مؤشريه
وَالمَوتُ فِي الفَلَـوَاتِ خَيـرٌ مَـورِدًا
2* 2* 3* 1 3 3* 2* 2* 3 *
لِلحُـرِّ مِـنْ شُـرْبِ الهَـوَانِ زُلالا
2* 2* 3* 2* 2* 3 1 3 2
ونقرا في الصدر هنا تحديا واستعجال بت يحمل في مضمونه ثورة وتثويرا فيما يعني انفعالا عالي الوتيرة يتوقع معه مؤشر م/ع مرتفع بما يناسبه، وبقراءة المقاطع نجد انه بلغ 7/1= 7.0
ويستمر ذلك الشموخ والتحدي في جزء من العجز يستكمل فيه الشاعر فكرة صدر البيت قبل أن ينتقل لحس بالاشمئزاز من الصورة المقابلة لدى استعراضها في البديل فتنخفض وتيرة الانفعال بالدخول في الصورة المقابلة ويضهر مؤشر العجز كاملا م/ع = 5/3 = 1.6
غير أن انسحاب جزء من محرك انفعال الصدر للعجز يستدعي باعتقادي قياس مؤشر البيت كاملا لنجده 12/4 = 3
وهو منخفض نسبيا إذا ما قورن بالصدر فقط حيث كانت الوتيرة عالية متوهجة
عَبَسَتْ وَقَرَّعَتِ القَضِيَّـةَ وَامْتَـرَتْ
1 3* 3* 1 3* 3* 1 3* 3*
حَتَّى إِذَا دَحَلَـتْ حَصَـتْ أَمْـوَالا
2* 2 3 1 3* 3* 2* 2 2
ولعل صورة بهية لتوضيح مؤشر م/ ع وعامل الاختلاج تتحقق هنا حيث يعدد الشاعر في صدر البيت غاضبا فعال العصبة الخائنة بوتيرة عالية من الإنفعال فنجد مقاطع الصدر كلها ساكنة الآخر 6/0= 12 اصطلاحا ، لينتقل الى حالة من القرف في عجز البيت تصف حصاد هذه الفئة وفي القرف إشاحة عن مصدره تذهب بالانفعال الذي كان أحدثه فتهدا وتيرته ويسترخي حسه ، ونقرا مؤشر م/ع لنجده يقف على تعادل بين ساكن الأواخر ومعتلها م/ع = 4/4 = 1
الحَافِظِيـنَ مِـنَ الـمُـرُوءَةِ ذِمَّــةً
2* 2 3 1 3* 3 1 3* 3
العَاقِدِيـنَ مِـنَ الوَفَـاءِ عِـقَـالا
2* 2 3 1 3* 3 1 3 2
ويتوقع هنا ان يتقارب معاملا الاختلاج بين صدر البيت =0.75.....وعجزه = 0,4 لتواصل الفكرة في توصيف عصبة الخير دونما تغير بأي اتجاه، فتجد حسا بالفخر والرضى يستحوذ على الشاعر وترتسم في إطاره الحروف لما تجده النفس من راحة، مما يتوقع معه انخفاض في مؤشر م/ع
فيكون مؤشر م/ع موحدا لكامل البيت 5 /9 = 0.6
هِيَ دَعْـوَةٌ نَحْـوَ انْتِفَاضَـةِ عِـزَّةٍ
1 3* 3* 2* 2* 3 1 3* 3*
فَدَعُـوا الإِبَـاءَ يَزِيدُهَـا إِشْـعَـالا
1 3* 3 1 3 3 2* 2 2
ويقف الشاعر في صدر البيت هنا مستنهضا الهمم فيما يستدعي وينطلق عن حس متوقد وانفعال مرتفع الوتيرة فتجد مؤشر البيت ملفتا 6/1 = 6
ويهدأ انفعاله بعدها بينما هو يوجه وينصح بما تستشعره في النص قبل قراءة مؤشره الذي ينخفض ليصل إلى 2 / 5 = 0.4
وهكذا نستكشف بقراءة مؤشر م/ع (المقاطع الساكنة الأواخر لتلك المعتلة الأواخر) في كل شطر وكل بيت من القصيدة ما أظنه يحدثنا بتداعيات الفكرة موضوع القصيدة في نفس الشاعر، وتباين مشاعره وانفعالاته بينما هو ينتقل في كتابتها من تركيب لآخر ومن بيت لتاليه
ولعل القصيدة تستحق منا قراءة متأنية لكامل أبياتها، غير أننا سنقفز عن استحقاق الحرف والشاعر هنا تلافيا للإثقال على القاريء في ما قد يشكل في حداثته صعوبة يحبذ معها التخفيف ...
وقد جاء في أحد مواضيع م/ع أن االنصوص العاطفية الشخصية تكون أكثر ثراء بتباينات هذا المؤشر من القضايا العامة، لا لقلة أهمية القضايا العامة أو لضعف شعور الشاعر نحوها، ولكن لاستقرار موقفه منها ، وقلة الجديد الذي قد يغير مستوى مشاعره فيها. وما رأيناه في قصيدة شاعرنا هنا أقرب للاستثناء في هذاالباب، الأمر الذي يدل على استثناء في قوة مشاعره وشاعريته.
هل هذا كل ما في القصيدة في هذا الباب ؟
لا أعتقد ذلك وأدعو الجميع للاستزادة من هذا التحليل في القصيدة وسواها
لمزيد من الاطلاع
https://sites.google.com/site/alarood/r3/Home/meemain