من الأمور البارزة في فقه اللغة العربية ظاهرة "الترادف اللغوي" هذه الظاهرة امتازت بها هذه اللغة بشكل يندر وجوده في اللغات الأخرى مما جعل بعض أصحاب المعاجم يجمعون أن "للأسد خمسمائة اسم، وللثعبان مئتي اسم". وكتب "الفيروزآبادي" كتاباً في أسماء العسل فذكر له أكثر من ثمانين اسماً، وقرر مع ذلك أنه لم يستوعبها جميعاً.
ويرى أنه يوجد للسيف في اللغة العربية ألف اسم على الأقل.. (1) .
وبالطبع دراسة هذه الظاهرة من حيث أسبابها وما قيل فيها، يطول. فنحن نريد فقط ما يهمنا مما نحن بصدده من البحث في معيار "التوازن" .
"الترادف" في اللغة دليل على دقة "التوازن" المطلوب بين اللفظ والمعنى المطلوب بدقة، دون زيادة أو نقصان.
يقول "د. علي عبد الواحد وافي": "إن كثيراً من الألفاظ التي تبدو مترادفة هي في الواقع غير مترادفة،
بل يدل كل منها على حالة خاصة تختلف بعض الاختلاف عن الحالة التي يدل عليها غيره، مثلاً:
رمق ولحظ وحدج وشفن ورنا..
وما إلى ذلك من الألفاظ التي تدل على النظر، فإن كلاً منها يعبر عن حالة خاصة للنظر تختلف عن الحالات التي تدل عليها الألفاظ الأخرى
"فرمق" يدل على النظر بمجامع العين،
"ولحظ" عن النظر من جانب الأذن.
"وحدجه" معناه رماه ببصره مع حدة.
"وشفن" يدل على نظر المتعجب الكاره.
"ورنا" يفيد إدامة النظر في سكون، وهلم جراً" .(2)
ويقول "ابن جني": "فمن ذلك قولهم: خضم، وقضم.
فالخضْم لأكل الرطْب، كالبطيخ والقثاء..
والقضم للصلب اليابس، نحو قضمت الدابة شعيرها.
فاختاروا "الخاء" لرخاوتها للرطب،
و "القاف" لصلابتها لليابس حذْواً لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث.
ومن ذلك قولهم: النضح للماء ونحوه،
والنضخ أقوى من النضح. قال تعالى: فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (3) .
مما سبق نخلص إلى أن "الترادف" في اللغة العربية ما هو إلا اختيار دقيق للفظ بما يطابق المعنى المقصود، وهذا الاختيار يقوم على "التوازن" الدقيق بين اللفظ ومدلوله.
ونجد أعلى مستويات هذا الاستعمال اللفظي
موجودة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية.
[1] علي عبد الواحد وافي – فقه اللغة: ص168-169.
[2] المرجع السابق: ص174.
[3] ابن جني - الخصائص: جـ2 ص158
__________________
لَجَلْسَة معْ أديبٍ في مُذاكرَةٍ ** نَنفي بِها الهَمَّ أو نستذكر الأدبــا
أشهى إليَّ من الدنيا بما جَمَعَتْ ** ومثلها فضَّةً أو مثلها ذهَبـــا
احمد خلف