عجيبة غريبة هذه الأحزان عندما نتخذها وطناً سرمدياً لنا . ليله أطول من نهاره. شروق الشمس به يقارب غروبها فتُدفن الشمس في حضن ليلٍ لا يكاد ينتهي وضحىً لا يكاد يُبين , ومن خلف عباءة الليل نرى للأمل بزوغ لا يلبث أن يطفأ شعاعه فلقد طوى الليل كل الأماني تحت عباءته السرمدية السوداء وأصبح ككابوس يجثم على صدر الروئ ؛ فيحول كل الألوان المتجانسة إلى (متناقضة متنافرة كقطبي مغناطيس ).
أبي .. لقد حولنا مرضك إلى يأس؛ لكنه يسير على كرسي متحرك لرجل مشلول الأطراف الأربع لا نملك إزاءه حيلّة ؛ سوى النظر إليك من خلف زجاج بارد نود لو نشرخه؛ حتى يصل إليه مشاعرنا ويشعر بتلك الدماء الفوارة التي تغلي عليك في أجسادنا . غليان يصل إلى درجة الانصهار والذوبان . تتفكك من إثره أحشاءنا فرقاً عليك .
عيون كلّت. بها الدموع محتبسة محتسبة لك الأجر . دموع تعبت فتشرق بها أعيننا فنغص بها .
نكتم آهات تود أن تنفجر من أعماقنا كبركان ثائر يجرف في طريقه كل أخضر فلا يجد إلا ما هو يابس ويائس . مسدودة فوهته بالكثير من الآمال والأماني الميتة وانكسار السنين وتعاقب الأيام والساعات وأحزان البشر .
يلبسنا الحزن ؛ بينما نبحث عن الفرح لنلبسه,فلا نجده وإن وجدناه غدا كقطعة قماش بالية ممتلئة بالثقوب فلا تنفع كرداء لغير سويعات قليلة وبسمة مرتسمة غصباً على ضفاف الشفاه.
الحياة بدونك أبي لوحة لا معنى لها . لها لون واحد. تحمل صورة سرير وجسد مسجى فوقه. تلتف حوله أنابيب تأخذ الجزء الأعظم من الصورة. ويختفي معالم وجهك الحبيب خلف قناع الأوكسجين.
هل لي بلحظة لقاء معك اسمع صوتك وتسمع صوتي. أراك أحضن جسدك المنهك فأعطيك من قوتي وصحتي وأفيض عليك بدموعي لعلها تغسل شيئاً من ألآلامك.
أمنية وما أكثر الأماني في وطني الحزن.