شظـــا يا
حازم احمد عايد
لا يدري حين اطلقها أين سقطت أو من أصابت، ولا أنا أدري وأنا أضرج أوراقي بأحرف هذه الواقعة من أين انطلقت أو من أطلقها.
كانت حروفي قذائف مدوية منبعثة من عمق وجداني يعزف ارتطامها المتواصل على سطح الأوراق البيضاء ايقاعات الحياة اليومية لسكان حينا المنكوب والمغلوب على أمره ولو أفصحت لتقاطرت من أجزاء كل حرف فيها دماء حمراء تكتب قصة صراع دموي ..
في طقس شتوي شديد البرودة كنا أنا وأخي ننتظر شيئا بالتأكيد ولكن الذي حدث كان يختلف كثيرا عما كنا نتوقعه .. في مثل لمح البصر .. آه لقد سقطت علينا وكأن السماء نفضت جمرها في الزقاق الذي نسكن فيه ، فبينما أنا أنظر أمامي فإذا بالرجلين الذين كنا نكلمهما قبل ثوان قد سقطا على الأرض المبلطة بالكونكريت .. حاولت ان ارجع بذاكرتي الى الوراء لاستكشف من يمكن ان يكون وراء هذه القذيفة.. عمرا طويلا كعمري لا بد ان ينطوي على عداوة ما بالرغم من حرصي على تجنبها فهرولت إلى أحدهما فتطلعت في وجه باسم وهو يشير بسبابة يده اليمنى .. قلت لا عليك يا أبا عمر إلا أنه لم يحر جوابا .. التفت إلى الآخر فإذا به قد غادر الحياة .. رجعت إلى أخي أبي عبد الرحمن ولم يكن بعيدا عني فقد استوطنت إحدى تلك الشظايا ساقه فهوى يصرخ .. لكنه ما لبث أن سكت ، فحسبت أنه لحق بأبي عمر ثم أبلغت من بدأ تجمعهم يزداد كثافة حولنا أن أبا عبد الرحمن قد فارق الحياة ففزع الناس عليه يقلبونه يمينا وشمالا .. حمدت الله بعد أن شعرت أنه قد استعاد أنفاسه فانتصبت واقفا حائرا في مكاني فإذا بلسعة ألم اشعرتني أنني مصاب في ساقي الأيسر فأردت أن أشدها فلم أجد الوقت ، لأن عربات العساكرقد دخلت إلى الزقاق وبدأت تطلق النار على غير هدى ، فكان رصاصها يخترق الهواء فوق رأسي ويصطدم بالحائط وينتزع منه الأتربة ينثرها علي وأنا جاثم في مكاني أتحايل للوصول إلى الدار ، فلم أنجح بسبب رشقات الرصاص .. بدأت بالتحرك مع الحائط حتى تمكنت من دخول الدار المضرجة بالدماء ، فرأيت أبا عبد الرحمن منكبا على وجهه وهو يزحف طالبا الماء بإلحاح ، ومعه ابني ذو الثمانية عشر عاما وقد أصيب في يده ويئن من الألم مستغيثا بمن يمكن ان ياتي بالإسعافات إلا انه لم يكن في الدار من يتمكن من تقديمها ولم نكن نسمع ساعتها سوى صوت المدرعات التي بدأت تكسر الصمت بعد دوى تلك القذيفة المجهولة التي سقطت علينا .. حضر بعدها الجيران بسيارتهم
الصالون لتقلنا إلى المستشفى ..