من "الأزد ومكانتهم في العربية" للدكتور أحمد بن سعيد محمد قشاش، والفقرنة والعنونة مني.
***
(1) تسكين هاء الغائب
روي عن أزد السّراة أنهم كانوا يسكّنون هاء الغائب المتحرك عند الوصل، كقولهم في (لَهُ مالٌ): (لَهْ مالٌ). قال الأخفش: "وهذا في لغة أزد السّراة كثير". واستشهد هو وغيره بقول يعلى الأزدي:
فظَلْتُ لدى البيت العتيق أخِيلَهُ ... ومِطْواي من شوقٍ لَهْ أرِقَانِ
واستشهدوا بهذه اللغة على قراءة ابن عباس (رضي الله عنهما) {ونادَى نُوحٌ ابْنَهْ} بإسكان الهاء.
(2) إشباع الحركات عند الوقف
وإذا كانت الفصحى تقف على المنون بإبدال تنوينه ألفًا إن كان بعد فتحة، وبحذفه إن كان بعد ضمة أو كسرة بلا بدل- فإن أزد السّراة يقفون بإبدال التنوين ألفًا بعد الفتحة وواوًا بعد الضمة وياء بعد الكسرة، فيقولون: رأيت زيدا، وهذا زيدو وهذا عُمَرو ، ومررت بزيدي وبعمري.
عزا هذه اللغة إليهم سيبويه، وقال: "جعلوه قياسًا واحدًا، فأثبتوا الياء والواو كما أثبتوا الألف".
وهو قياس طريف له وجه مقبول، ووصْفُ ابن الشجري لهذه اللغة بالرداءة، وتعليل ذلك بثقل الواو والضمة، والياء والكسرة، ولالتباس الياء في نحو: مررت بزيدي وبغلامي بياء المتكلم- لا يقدح في فصاحة هذه اللغة.
قال السيوطيّ: "وكأن البيان عندهم أولى، وإن لزم الثقل".
ولعلهم - أعني: أزد السّراة - قد حذفوا التنوين في الرفع والجر على القياس من كلام العرب، ثم أشبعوا الضمة فتولد عنها واو، وأشبعوا الكسرة فتولد عنها الياء. والإشباع ظاهرة تكاد تكون مطردة في لغاتهم، كقول الشنفرى الأزدي:
أو الخَشْرَمُ المبعوثُ حَثْحَثَ دَبْرَهُ ... محابيضُ أرساهنَّ شارٍ مُعَسَّلِ
قال الزَّبيدي: "أشبع الكسرة في محابضَ فولّد ياء، وأراد بالشّاري الشّائر فقلبه".
ولا تزال هذه الظاهرة باقية إلى اليوم في أزد السراة، فأنت تسمعهم يقولون في أخذتُه للمتكلم، وأعطيتَه للمخاطب، وأعطيتِه للمخاطبة: "أخذتُوه، أعطيتَاه، أعطيتِيه". أشبعوا الحركات الثلاث فتولد عنها حروف المد الثلاثة.
وقد استشهدوا بهذه اللغة على كتابة (مُحِلّي) بالياء، والوقوف عليه بها في قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}.
وتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم في مخاطبة امرأة، فقال: "لو راجعتيه فإنه أبو ولدك".
(3) الإتباع
ومن الظواهر الصوتية التي عزيت إلى الأزد ظاهرة الإتباع، وهو ضرب من تأثر الحركات المتجاورة بعضها ببعض، وغايته تحقيق الانسجام بين الأصوات، كقولهم: (الحَمْدِ لله) بكسر الدال إتباعًا لكسرة اللام ، أو (الحمدُ لُلَّه) بضم اللام إتباعًا لحركة الدال.
وغلَّط كثير من النحاة واللغويين قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع قوله تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ} بضم التاء إتباعًا لحركة الجيم.
وذكر ابن الجزري أن هذه القراءة جاءت على لغة أزد شنوءة، ومن ثم رد على من طعن في صحتها، بقوله: "إن أبا جعفر إمام كبير، أخذ قراءته عن مثل ابن عباس وغيره، كما تقدم، وهو لم ينفرد بهذه القراءة، بل قد قرأ بها غيره من السلف، ورويناها عن قتيبة عن الكسائي من طريق أبي خالد، وقرأ بها أيضًا الأعمش، وقرأنا بها من كتاب المبهج وغيره، وإذا ثبت مثله في لغة العرب فكيف ينكر؟"
أضف إلى ذلك أن القراءة سنة متبعة، فمتى صحت، ونقلت نقلاً صحيحًا، وجب قبولها، ولا عبرة بكونها جاءت على غير ما هو مشهور في لغة العرب، فالقواعد التي اصطلح عليها علماء العربية لا ينبغي أن تكون هي الحكم في القراءة، بل العكس هو الصحيح.
(4) تحقيق الهمز
وإذا كان الهمز ليس من لغة الفصحاء كما قال الهجري فإن قبائل الأزد عامة تميل إلى التخلص من الهمزة أنى وقعت في أول الكلام أو في وسطه أو في آخره.
روى أبو زيد عن أهل المدينة - ومعظم أهلها من الأزد - أنهم لا ينبرون. ولما حج المهدي، وقدّم الكسائي يصلي بالمدينة فهمز، فأنكر أهل المدينة عليه، وقالوا: تنبر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن؟
وروي عن الأنصار في قول العرب: "رجل وائل: رجل آيل".
كما روي عنهم أيضًا أنهم يقولون: بدينا في معنى بدأنا. قال شاعرهم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
باسم الإله وبه بدينا * ولو عبدنا غيره شقينا
وأرجأت الأمر وأرجيته لغتان ، عزيت الأخيرة إلى الأزد، ووصفت بأنها لغة جيدة. وبها قرأ نافع وأهل المدينة قوله تعالى: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} بغير همز.
ومن هذا ما روي عن خزاعة أنهم يقولون: (لحم مُهَرّد) بدل (مُهَرّأ) تخلصوا من الهمزة بإبدالها دالاً.
(5) الاستنطاء
ومن الظواهر الصوتية التي عزيت إلى الأزد أيضًا ظاهرة الاستنطاء، وهي عبارة عن جعل العين الساكنة نونًا إذا جاورت الطاء، ومثلوا لها بالفعل (أنطى) بدلاً من (أعطى). ومن شواهدها: ما روته أم سلمة - رضي الله عنها - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ {إنّا أنْطَيناكَ الكَوْثر}.
وقرأ بها الحسن البصري وطلحة بن مصرف وابن محيصن والزعفراني. كما قرأ ابن مسعود والأعمش: {وأنطاهم تقواهم} في قوله تعالى: {وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}.