بسم الله الرحمن الرحيم
تقدمة الكتاب
الحمد لله؛ بها نبدأ وبها نبرأ، وبها نهنأ وبها نهدأ، وبها نحدث بنعمة المولى الكريم. الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، وتنتشر برحمته المكرمات، وتزدهر بذكره القلوب. وأصلي وأسلم على رسول الأمة نبي الرحمة الصادق الأمين، المبعوث هداية ورحمة للعالمين. اللهم نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وتركها على سبيل الرشاد لا يزيغ عنه إلا هالك.
وبعد:
فإني، وبعد أن استخرت ربي، قد عزمت أمري على أن أصنف كتاباً أتناول فيه الذات البشرية في حالاتها المختلفة، وتقلباتها بين الرضا والسخط، والغنى والقحط، والألم والأمل، والدعة والعمل، والرفعة والدناءة، والترفع والبذاءة، والجزع والصبر، والعقوق والبر، والصدق والكذب، والعفو والعتب، والحنو والغضب، والجور والإنصاف، والفحش والعفاف، والغدر والوفاء، والكدر والصفاء، والحب والمقت، والثرثرة والصمت، والإقدام والإحجام، والوقار والانحدار، وغير ذلك كثير.
وسأتناول فيه أيضاً أحوال الأمة في حاضرها ومستقبلها القريب وأستشرف مستقبلها في رؤية الناصح الحريص والمدرك للعرض، المشخص للمرض، العالم بالدواء. وفيها سأتحدث عن أحوال وتقلبات أمتنا العربية والإسلامية بين العزة والذلة، والكثرة والقلة، والولاء والبراء، والاتباع والابتداع، والهداية والضلال، والترفع والابتذال، والضعف والمنعة، والجد والمتعة، والصبر والجزع، والهمة والذمة، والسفاهة والحكمة، والداعية والمدعي، والجاهل والألمعي. وسأتناول المجتمع والأسر بما يعكر وما يسر، وأعرج إلى كل ما يرصد علة في نسيج المجتمع أو سقماً في أسلوب أدائه سعياً إلى إعادة الصياغة التي أحمل شعارها.
بكلمات أخر؛ هي رحلة في الذات ، وتأمل في حال الفرد والأمة، ورصد لأخلاقها وطباعها، وتوثيق لصروفها وأوضاعها، وجهد في علاج أسقامها وأوجاعها. سأركب زورق الحرف المسافر في عباب خضم كبير، ينشر أشرعة الكلمة الجميلة ببديعها ومحسناتها وتراكيبها، ويبحر مع التيار حيناً وضده أحيانا يواجه الرياح ويتحدى العواصف وصولاً إلى مرافئ الرقي والسموق والعلاء. ولسوف أضمن ما سأنثر هنا مما نظمت هناك ما دعت إليه حاجة أو هفت إليه اختلاجة. ورحلتي في الذات هي بلا ريب توأم بتلاتي الملونة التي أفردتها لأجمل المشاعر الإنسانية وأرق الهمسات العاشقة.
هما أول تصنيفين نثريين سأقوم بنشر موضوعاتهما المتفاوتة في أوقات متباينة ثم جمعهما وإصدارهما قبل أن أتفرغ للتأليف الكبير بإذن الله تعالى.
لعل فيما أكتب ما ينفع به الناس وما أسألكم من أجر إن أجري إلا على الله هو خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.
تحياتي وتقديري