كثيرا ما سمعت عن هذه الرواية ...وكم قرأت عنها ....وسعادتي لا توصف عندما حصلت عليها في عطلتي هذه من دار الكتب ...
فـــ أن تقرأ "رسول حمزاتوف" يعني أن تحب (داغستان) كما لو أنها وطنك، فهذا الرجل يملك قدرة خاصة على مخاطبة ما هو إنساني ووطني فيك، ليحيله عشقاً لداغستان البلد الذي عاش من أجلها، لا عاش فيها.
إنه يكتب وهو متيم بأناس وطنه الطيبين، بالدروب التي درج عليها طفلاً، وبجبال تكسوها الثلوج، وتاريخ يروي سيرة الوطن داغستان وشجاعة أولاده الذين يشبهون الخيول الأصيلة -على حد قوله- وهو عاشق من نوع خاص، (كان حبه كبيراً - كما يقول حنا مينة- ربما أكبر حب قرأته، أو سمعت به. ولم يكن حبا خيالياً، أو مؤلفاً من كلمات، أو منمقاً على عادة الذين يرسمون قلوبهم على الصفحات...كان أكبر من ذلك... كان بكلمة واحدة:"داغستان كلها"..!
(هكذا كانت تفاصيل الوطن (داغستان) هاجس لازمه طوال سنواته الثمانين، يحار كيف له أن يخلدها شعباً وأرضاً…)
(لقد عشت في هذه الدنيا أكثر من خمسة عشر ألف يوم - يقول رسول حمزاتوف- (وقطعت طرقا كثيرة جدا، والتقيت بآلاف كثيرة من الناس، انطباعاتي لا تعد، كأنها السواقي الجبلية أثناء المطر أو أثناء ذوبان الثلوج. لكن كيف أضمها لأجعل منها كتابا)
*****
"[ بلدي ], وَيَاهٍ كَيْفَ تحفرُ أقدامك الأرض, لـ تنمو مِنْ الرملِ إلى الجِبَال, أنَّى لـ الوليد, أنْ يَنْقِفَ الحقل بـ عَصَا أبيه, فـ يهشَّ عويل الطُرق, ويقفز فَوْقَ صَخْرٍ أحْدَب, آنَ قُدوم النُسُور, واصطفقتْ الرياح على هَامِةِ السَمَاء, قريبةً مِنْ مَطَرٍ يختلسُ الجَفَافَ في أعشاشِ الطُيور المُهَاجِرَة, " بلدي ", حينما تكون الجُغرافيّة هُويّة, واللُغاتِ المليون صُوَرة, والأغاني تَنْحِسِرُ بين شفتيك, والكِتَاب كَفّك التي تَبْطشُ بِهَا, وعبقريّة في المهدِ, أدركها الشيبُ خِلال عُمْرٍ عسير, " بلدي ", امتشاقُ الأصوات في جَنَاحٍ وَعِر, لكناتٌ ولهجات ولُغَات لـ بشرٍ يتبادلون القلبق الهائل في أحْلامهم | لَمْ تنقصهم الرُؤوس يَوْمَاً, ومعاطف موسكو تكبرُ في مَدَى بطرسبورغ البَارِدَة إلى جورجيا, نحو داغستان .
إيه داغستان !, يا أرْضاً تُنجبَ الجَبَال وهِيَ وَاقِفَة, كَمْ وَتَراً شُدَّ حَوْلَ جنبكِ الحَاد, كَمْ طنبوراً تَغنَّى في أعيادكِ, إيه داغستان !, يا وطناً لـ قارئٍ لا يفقهْ طريقة العَدّ بـ لُغتكِ, يا وطناً لـ شَاعِرٍ يُناديك في قصائده : حبيبة, يا وطناً, أَتَى بـ رُسولٍ, وَوالدٍ حَمْزَة, رُسولٍ يمتطي نِسْراً, يتوحّد بـ جَبَلٍ فتيّ, لـ يَسْتسقي غرانيق المَطَر بـ ارتداء العشب الذَابِلْ,
داغستان, أنا العربيّة في الجبلِ الغريب, أُزيحُ الشِعر عَنْ يدي, لأُنطق بـ تأتأة ٍ آفاريّة وَاضِحَة – مثل طفلٍ يتعلّم التهجّي :
" ديي مدن أيوكولا " ! "
*****
اقتباسات :"بلدي | رسول حمزاتوف "
- رُوح الشَاعِر مثل رُوح الطِفل .
- لا تُعطِ أفكارك لـ الآخرين, الآلة الغَالِية لا يجوز أنْ تُعْطَى الطفل بدلاً مِنْ اللعبة, فـ إمَّا أنْ يكسرها, وإمَّا أنْ يُضيعها, وإمَّا أنْ يجرح يدهُ بِهَا .
- إذا فكّرتْ – فكأنك حملتْ . الطفلُ سـ يُولد حَتْمَاً, عليك فقط أنْ تحمله, كَمَا تحمل المرأة الجنين في أحشائها, ثمّ تلدهُ بـ عَرَقِ جبينها وبـ الآلام, وأمّا الكِتَاب فـ ولادته : كِتَابته .
- في كُلّ كِتَابٍ يجب أنْ تكون هنالك تعويذة, يعرفها المُؤلّف ويحرزها القارئ – مخفيّة تحت الملابس .
- يُدْهشني دائماً أولئك الذين يُحَاصِرُون الكَاتِب بـ الطلب إليه أنْ يُحدّثهم عَنْ مشاريع الإبداع لديه لـ السَنَوَات القَادِمَة, الكَاتِب يعرفُ بـ الطبع الاتجّاه العَامْ لـ عَمَله, ورُبّما كان بـ الإمكان التخطيط لـ كِتَابة رواية أوْ ثُلاثيّة, أمّا الشِعر . . . الشِعرُ فيأتي على غير توقّع, كـ هديّة, ملكوت الشَاعِر لا يخضع لـ المشاريع المحكمة, لا يُمْكن الإنسان أنْ يُخطّط لـ نفسه فـ يقول : في الساعة العَاشِرَة مِنْ صباح هذا اليوم سـ أُحبّ الفتاة التي سـ ألقاها في الطريق . أوْ " غداً في حوالي الخَامِسَة مساءً سـ أبغض سَافِلاً ما .
- أبيات الشِعر لا تُشبه أزْهَاراً في منبتِ وَرْد أوْ في حوضِ زهر, فهي هناك كُلّها أمامك, ولا حَاجة بك إلى البحث, - بَلْ تشبه زهوراً في حقل, في مرج جبال الألب, حيث كُلّ خُطْوَة تَعِدكَ بـ زهرةٍ جديدة, أكثر رَوْعَة .
- الشعراء يشبهون أحياناً ذلك الجبليّ الذي ظَلّ يبحث عَنْ قُبعّته طُوَال النَهَار, في حين كانتْ هذهِ تستقرّ بـ هُدوء على رأسهِ الرديء .
- ألا تعرف أنّه حَتّى لَوْ أنفقتَ حياتك كُلّها في البحث, فـ إنّه يَلْزمكَ على أيّ حَالٍ يَوْم وَاحِد, لا بَلْ لَحْظَة وَاحِدَة, كَيْ تَجِدَ ما تَبْحث عَنه ؟
- فهمتُ أنّي لا أستطيع بـ الشِعرِ وَحْده أنْ أُعبّر عَنْ كُلْ مَا رأيته في الأرض, وعَنْ كُلْ ما فكّرت فيه وعَنْ كُل ما شعرتُ بِهْ .
- القلبُ لا يعرف قانونا ً .
- عندما أُقرّر أنْ أهجر الشِعر إلى أمد, كان هُوَ الذي لا يُريد أنْ يهجرني, إنّه مثل قَطٍّ أليف يأتي لـ يندسّ في فِراشي وتحت لِحَافي عندما أنام .
- أيّها الشِعر, أنتَ مثل البنت التي جاءت إلى العَالم, والعالم كُلّه ينتظر صبيَّاً, أنتَ مثلها حين ولدت وكأنها بـ ولادتها تقول : " أنا أعرف أنكم لا تنتظروني, وأعرف أنَّ ليس فيكم حَتّى الآن مَنْ يحبّني, ولكن دعوني أكبر وأتفتّح, دعوني أسرّح شعري وأغنّي أغنية, عندئذ سـ ترون أنْ ليس في العَالم كلّه مَنْ يجرؤ فـ يدّعي أنّه لا يحبّني " .
- يقول الآفار : " لقد خُلِقَ الشَاعِر قبل خلق العَالم بـ مائة عام " .
- النثر يطيرُ بعيداً, ولكنّ الشِعر يطيرُ عالياً, النثر طائرة كبيرة تستطيع أنْ تدور حول العَالم, أمّا الشِهر فـ هُوَ طائرة مُطَاردَة تطير في عُنفٍ رائع وتقبض طائرة النثر الضخمة في طرفة عين .
- في الطريقة : لـ كُلّ حيوان حيلة, له طريقته في الخلاص من الصيّاد ولكلّ صيّاد طريقته في مُطاردة الحيوان والإمساك به, وكذلك لكُلّ كاتب طريقته, أسلوبه في العمل . طبعه . كتابته .
- إذا وَجَد الشَاعِر أسلوبه, فقد وَجَدَ شخصيّته, إنّه عندئد يصبح شَاعِراً .
- على الكَاتِب أنْ لا يكتب كُلْ ما يراه, إنما عليه أنْ يختار مِنْ كُلّ شيءٍ ما هُوَ لازم له, فـ جُملة وَاحِدَة تستطيع أنْ تعبّر عَنْ فكرة كبيرة, وكلمة وَاحِدَة تستطيع أنْ تعبّر عَنْ عاطفة كبيرة, ومشهد واحد يستطيع أنْ يعبّر عَنْ الحَدَثِ كُلّه .
- ما مِنْ أحد يستطيع أنْ يخلق شَاعِراً من شخص ليس هُوَ نفسه شَاعِراً .
- إنْ أهمّ كُتب الكَاتِب ذلك الذي لَمْ يكتبه بعد .
- الشعب بدون كتابٍ كـ إنسانٍ يسير مغمّض العينين .
- اكتب عَمّا تعرفه وتستطيع . أمّا ما لا تعرفه فـ اقرأه في كُتبِ غيرك .
- قراءة كتاب بالنسبة لأديب هِيَ : عمله . (*)