قراءة في قصّة قرش بقرش ( للعمري)
https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=41763
مع أنّ الليل شاخ، والشّيخوخة ضعف، إلّا أنّ هذا الضّعف وُلِدت منه القوّة والحياة... صوت الطّيور وسعيها وراء أرزاقها، وأذان الفجر الذي يعلن ميلاد يوم جديد. فالبداية حركة ونشاط وتجديد، بعد كسر السّكون والسّبات.
هذا النّشاط كان لمختار نصيب فيه، حيث " قَد سَبَقَ عَصَافِيرَ الفَجْرِ يَحُثُّ الخُطَى خَلفَ وَالدِهِ .."
الحركة ذات قطبين: روحانيّ وماديّ، التّسبيح، وصوت الأذان، وذهاب مختار للعمل... وتقوى الحركة، ويقوى النّشاط مع ازدياد حركة الموج... فالصّوت يتدرّج من الأضعف إلى الأقوى، كمّا وكيفًا... تغريد العصافير، صوت المؤذّن، الرّيح، تلاطم الأمواج الغاضبة...
" بدأ نهار جديد في حياة هذا الطّفل.." النّهار هو النّور الذي بدّد ظلام الليل، وهو بداية يوم جديد. وهنا إشارة مسبقة أنّ أمرا جديدا سيحصل في حياة مختار.
بدأ نهاره بإزاحة الثّلج. والثّلج هو الماء في حالة تجمّد- عكس الحركة- أزال هذا التّجمّد عن الأسماك كي تكون طعما، يجني منه حياة( يصيد أسماكا حيّة).
البحر يعلو ويهبط( توتّر)... البحر هو الحياة الرّحيبة ... " هو رمز لديناميّة الحياة، أو فعالياتها، هو مكمَن، وموضع وِلادات وتحوّلات ونهضات. هو الماء المتحرّك، ويرمز إلى حالة داخليّة انتقاليّة بين الممكن اللامتشكّل، والحقائق الممكنة المتشكّلة... ويدلّ على وضع ثنائيّ .. واقع الارتياب والشّك والحيرة الذي يمكن أن يؤدّي إلى خير أو شرّ، لذا فهو صورة الحياة والموت"
القارب هو السّبيل الذي نسلكه في حياتنا ومعركتها في البحر الكونيّ الواسع الغامض أحيانا والمجهول.
" أغمض عينيه انشغل يدعو الله... حتّى إذا صفا ذهنه في تامّل.. رأى سمكة تعوم..."
السّمكة هي الرّزق المقدّر من عند الله" وفي السّماء رزقكم وما توعدون"، وربّما يكون رزقا غير متوقّع؛ ممّا جعل الأب لم يصدّق ابنه في البداية، ويذهل عند دنوّ السّمكة من القارب.
عمليّة الصّيد الصّعبة هي الصّعوبة والجهد الذي يبذل لتحقيق المبتغى، وتحصيل الأرزاق المقدّرة. وفي النّهاية اصطيدت السّمكة، وإذ بها قرش. والقرش سمكة ضخمة مفترسة، وصنّفت من قبل الأب أنّها دون قيمة. وهنا إشارة لعدم إعطائنا القيمة لما يستحقّ ذلك؛ لأنّنا نجهل الماهيّة، ولا نرى الأمور بوضوح، ولا ندرك كنهها... لذلك عرض القرش للبيع بأبخس الأثمان: عشر ليرات! ولكن، الاستهزاء بقيمة ما أتى، جعل الآخرين أكثر استهزاء بالمعروض، فجاء من يبخس الثمّن إلى قرش واحد!
قرش بقرش... وهو العنوان الذي اختير بدقّة. القرش السّمكة العملاقة، تباع بقرش!( سخرية)
وتأتي النّهاية تفيض حكمة عندما وجد في بطنه ما يغني ويسعد... وكان من نصيب من اشترى القرش بقرش " لا تدري نفس ماذا تكسب غدا..." إشارة واضحة إلى جهل الإنسان للجوهر، وتقييم ما يستحقّ التّقييم، وأنّه أضعف من أن يفهم سرّ ما يأتي به الله من أرزاق وأقدار.
وجاءت الحكمة في النّهاية على لسان الوالد،وتعكس استسلاما للقدر الذي لم يفهمه. وربّما أجد هنا تلميحا لرفضنا وتذمّرنا من أقدارنا التي لا نفهم الحكمة منها!
وتعود الحركة النّصيّة في النّهاية إلى الهدوء الذي بسطه الليل، ولفّه تغريد العصافير، وأذان الفجر ... النّهاية سكنت بعد عصف كلّ الأحداث في النّصّ، وكانت قمّتها أثناء اصطياد القرش.( سكون... حركة بدرجات متفاوتة... سكون ).
عمليّة السّرد كانت بحبكة قويّة، أمسكت القارئ بحبالها جيّدا حتّى النّهاية التي جاءت مفاجئة، لكنّها زادت من قوّة الحبكة!
الاسم مختار ... اختياره موفّق ... فهو مختار ليصبح غنيّا، بعد صيد القرش. لكنّه لم يفلح في المحافظة عليه؛ لأنّ سلطة والده أقوى من سلطته. فبيع القرش وظلّ مختار محتارا!
شكرا لك أخي الدكتور سمير على هذه القصّة، وما تضمّنته وهدفت إليه!
تقديري وتحيّتي