بسم الله الرحمن الرحيم
ريبورتاج ..رواية
عبدالغني خلف الله
الحلقة الأولي
الطبيب البارع همام خرج من رحم المعاناة وقرر ألاّ يعود إليها ابدآ..خاض في طفولته معركة رهيبة ومثيرة..إسمها البقاء علي قيد الحياة وكانت له أساليبه وألاعيبه الخاصة به..قاوم الملاريا والبلهارسيا واليرقان ..وعندما قبلوه بالمدرسة الوسطي وأودعتة الحكومة إحدى داخلياتها شعر أنه قد وصل إلي بر الامان .. ونشأته تلك جعلته يكره الفقر والحرمان .. لذلك لم يشعر فى يوم من الأيام أن المرتب الذي يتقاضاه من وزارة الصحة والدخل الذي تدره عليه عيادته الخاصة يلبيان ذلك الأفتقار التاريخي للأشياء لديه.
والطبيب همام لم يكن مقتنعاً بعمله كطبيب ..فهو لا يأبه كثيراً للوجاهة الاجتماعية وليس معنياً بعذابات الناس الغلابة الذين خرج من صلبهم .. ولعّل أكثر صفقة خرج بها من عمله كطبيب هى زوجته المذهلة نهلة وطفلتها ريم التي تخطو أولى خطواتها فى الثانوية العامة ..نهلة عبد القادر .. تاريخ ناصع من الوسامة والجمال .. قادتها قدماها الى عيادة الدكتور همام .. فقد كانت تريد أن تعمل (ريجيم) تحت إشراف طبيب لتحافظ على رشاقتها فلا تفوتها المنافسة المعلنة بنادى التنس .. كيف لا وهي تجيد كرة المضرب وتحلم بأن تكون فى يوم من الأيام فى مستوى (شتيفي قراف) والأخيرة هذه لا بد أن تكون لاعبه تنس.. وهي لا تحتاج لأكثر من التلويح بمصربها ذاك فتنهال الدولارات من ذلك الجمهور المتعطش للأناقة .. وشتان ما بين جمهور التنس وجمهور الألعاب الأخرى .. بادي ذي بدء لعلك لن تجد متفرجات بنظارات سوداء في تلك الميادين وأن وجدن فلن توجد منهن في مستوي ذلك الألق العجيب ..
وجمهور أي رياضة أخرى متشنج .. ومنفعل .. أما جمهور التنس فهو رائق . فنان.. يعرف متى يصفق ومتى يصمت . لا مثل ذلك الشغب وحصب الملعب بالحجارة والزجاجات الفارغة . وأغرب مايميز لاعبي التنس أن المهزوم يصافح المنتصر ويذهبان سوياً نحو الحكم.
لذلك كانت نهلة تتبع (ريجيماً) قاسياً (كالورينات) بالعدد تساعدها فى ذلك الحالة الطيبة للحاج عبد القادر (قولو ما شاء الله) .
وفي أمسية رائعة ناعسة فجر الدكتور همام رغبته بعدم التوجه للعيادة وأعقب ذلك بأن أعلن لنهلة وريم وتخلية نهائياً عن مهنة الطب . نهلة أسقطت كتاباً كانت تقرأ فيه على الأرض وشهقت من هول المفاجأة . كيف يجرؤ الدكتور همام علي مصادرة أحب الألقاب الي قلبها وهي تقدم نفسها لصديقاتها الجدد بنادي التنس . معقول بس أنت متزوجة .؟ طبعآ . . ما باين عليك ,اليشوفك يقول عمرك خمستاشر سنة . وكمان عندى طفله فى أولي ثانوي عام , بختك والله ..زوجك دكتور وعندك طفله؟ لكن ورينا بتعملى شنو؟ من وين ليك كل هذه الرشاقة والأناقة ؟ لا أبدآ كل ما فى الأمر أنو (باباي) ما كان ببخل على بحاجة . يعني العربية ورحلات لبيروت وجنيفا . والآن (همام) مامقصر بس بدرجة أقل ..يعنى بنطلع على أركويت وبورتسودان.
وعلى عكس نهلة تقبلت ريم الواعدة الموضوع برحابة صدر وبدأت تفكر بصوت مسموع مع والدها حول البديل المناسب . رأيك شنو يابابي لو تشترى (دفارات؟) نيفين صاحبتي وزميلتي فى المدرسة باباها عندو دفارات وأنا شفت العمارة بتاعتهم . حاجة (أورجنال) خالص ونيفين سايقة هوندا .
دفارات؟ دكتور همام يسال فى إهتمام شديد .. يابت انت جنيتي ولاّ شنو ؟ تلقيهو وارث أو كدة وحكاية الدفارات دى للتسلية لا أكثر, تلقي الواحد يقول ليك الدفار يدخّل مائة الف فى اليوم ويجيك السواق كاتل حيلو والنتيجة كسور وبواقي .لا..لا يا (ريمونا) أنسي حكاية الدفارات دى خالص . طيب يا بابي تعمل مصنع زيوت . ناني صاحبتي فى المدرسة عندهم مصنع ومبسوطين خالص والدليل أنو (ناني) سايقة (تيكو) وكل إجازة يمشو لندن.. ريم يا حبيبتي إنتي ما عارفة حاجة . من وين أجيب كل يوم شحنة سمسم وشحنة فول . هو أنا فاضي؟ نهلة التقطت جريدة من الطاولة التى أمامها وحاولت أن توحي لهم بانها تتشاغل بالقراءة وهي فى الواقع كانت تداري دموعها التى سالت على خدها دون هوادة ،وفات على همام أنها تبكي .. همام نظر إليها وقال .. ما تختي الجريدة دي يا حبيبتي وتشاركينا فى النقاش.. الجريده.. الجريده ؟؟ طيب ليه ما نصّدر جريده ؟ ثم.. أسمعوا ايها السادة والسيدات ، لقد قررت أن أصدر جريده.. جريده ؟ نهلة هتفت بحرارة .. وحتنشر صورتي أذا ما فزت ببطولة الجمهورية ؟ .. وعلى صفحة كاملة يانهلة .. جريده ؟ ودى بتجيب شنو ؟ ريم تساءلت فى براءة ، هذا يعتمد على مستوى الموضوعات التى تنشر بها ومدى التأثير الذى تحدثه فى نفوس القراء ،والله يابابا أنا ما مقتنعة لكن لو ماما وافقت أنا موافقة .
الصحافة مهنة محترمة يا ريم ..نهلة وقد تبنت الفكرة ..بس نسميها شنو ؟ بسيطة يا نهلة نسميها أخبار الساعة ..لا لا .. ساعة أيه، نسميها مرآة الأحداث .. ريم الواعدة تشارك فى عملية البحث عن إسم ، لا ياريم ده اسم برنامج فى التلفزيون .. أصلك انت داخله طوالى على القنوات الفى الدنيا كلها.. أنا أقترح نسميها المجهر ، تانى رجعنا للطب ؟ أبدا يا ريمونا المجهر معناه أنك تضع كل الاحداث تحت دائرة الضوء . معناه التحليل العلمى للأشياء . ومعناه الموضوعية، معناه ..خلاص .. خلاص ياهمام نسميها المجهر .
************