تبتلعني أكثرْ
تغوصُ بي أمواجكَ نحوَ القاعْ
أعانقها ...
أجدّفُ معها لأغوصَ فيكَ أكثرْ
نثريّة سيطرت عليها الأفعال في الزّمن المضارع؛ لأنّ الحديث يدور عن مشاعر تجاه الوطن. لذا وجب أن يكون للكلام استمراريّة، فهو حبّ دائم...
تبدأ بالفعل (تبتلعني). الابتلاع فيه عمليّة إلغاء... هي في جوف الوطن الذي شُبّه بالبحر، حيث تغوص بها أمواجه نحو القاع؛ لتعانقها وتكمل الغوص...
كلمات تعكس انصهارا واتّحادا...
يجتاحني جنونُ اشتياقٍ فأعدو نحوكَ بفرحة لقاء الحبيبْ، بوهمِ العاشقِ، ولهفةِ المشتاقْ ...
أحلمُ أن لروحي الملتاعةِ فرصةَ هناءٍ أحظى بها إذ أرتمي في حضنكَ الأثير..
إذ أشمّ عبيرَ ترابكَ وعبقَ دماءِ من سبقني إليكْ
تمزقني الأسلاكُ الشائكةْ
تخترقُ جسدي قذائفُ المحتلْ
أمدُّ ذراعي نازفاً بكفٍ مرتعشةٍ يقودها الحلمُ بالموتِ ممتشقةً قبضةً من ترابكَ المجبولِ بدمي ...
رغم كلّ هذا يداهمها جنون الشّوق للقاء به كلقاء حبيب مشتاق، مجبول بحلم أن تحظى بلحظة هناء في حضن ذاك الحبيب!
لكن، حين يعبق الأنف برائحة الـتّراب والدّماء، تعيش لحظة الاستشهاد لدى رؤية الأسلاك الشّائكة، وتخال جسدها ممزّقا بالقذائف؛ مادّة ذراعها لتقبض كفّها على حفنة تراب مجبولة بالدّم ...
تحجبُ ترابكَ الحبيبِ عني حدودُ الاحتلالْ ..
لكنَّ ...
يزمعُ دمي أن يغافلَ رصاصهم
أن يغافلَ أسلاكهم الشائكةِ ويتسربَ من تحتها ليعودَ إليكْ
ليسرقَ لروحي المعذبةِ ملامحَ قبرٍ صغيرٍ يضمُّ من رفاتي دماً نازفاً وروحاً تواصلُ التحليقَ في سمائكَ حتى تسكنَ ارضكْ.
يغويني ذلكَ الغرقْ
يغريني ذلكَ الموتُ اللذيذْ
وهذا التّراب لا يمكن الوصول إليه؛ لأنّه محتلّ ... ولهذا يقرّر الدّم (الجسد) أن يغافل الرّصاص والأسلاك ويتسرّب عائدا إليه... ولماذا؟... ليسرق ملامح قبر ... وصل العشق والتّعلّق به إلى الطّموح ولو بقبر وهميّ يسرق بعد تسلّل؛ ليضمّ االجسد، وروحا تحلّق فوقه حتّى يسكَن. وهنا التّركيز على أهميّة الرّوح أكثر من الجسد؛ لأنّها الخالدة!( تواصل التّحليق)، وكأنّها تدعو للتّمسك والعودة – حتّى يسكن. والسّكنى فيها استقرار
يغويني ذلكَ الغرقْ
يغريني ذلكَ الموتُ اللذيذْ
فابتلعني أكثر أيها الوطنُ البحرْ
ولتغص بي أمواجكَ نحو القاعِ أكثرَ وأكثرْ
فما فتئت روحي حالمةً ترنو إليكْ
وما فتئتُ .....
إليكَ أمضي بجنونِ عاشقٍ
وفي ثراكَ أضمرُ لروحي سماءً ولدمي قبراً
عودة للغرق في بحر ذاك الوطن إذ يغريها، ويغريها الموت اللّذيذ فيه، فتطلب منه أن يبتلعها أكثر؛ لتصل القاع. أي كي لا يكون أمل في الخروج؛ لأنّ الرّوح دائمة الحلم به، والجسد يمضي إليه كالمجنون العاشق، ومصرّة على إضمار قبر للدّم، وهو هنا الجسد، وسماء لتحليق الرّوح ... وهنا تمسّك روحيّ وجسديّ بالوطن الذي ابتلعها، وتتمنّى البقاء غائصة فيه!
كلمات قرأتها كثيرا... وأضمرت وأظهرت الكثير من المشاعر عزيزتي الأخت المبدعة شعرا ونثرا ربيحة
بوركت
تقديري وتحيّتي