بسم الله الرحمن الرحيم
يوميات سائق عربة أجرة (1 )
عبدالغني خلف الله
أصبحنا وأصبح الملك لله ..شربت الشاي والقهوة وتوجهت في طريقي نحو السوق العربي باكراً علي غير العادة حتي أعوض خسارة فقداني للجوال الذي سرقه مني زبون علي طريقة السينما ..جاء حاملاً حقيبة ثقيلة وطلب مني أن أنقله مشوار ..وبعد الإتفاق علي الأجرة ..فتحت الباب الخلفي لأدخل حقيبته تلك وعندما عدت له وجدته قد اختفي ومعه الجوال خاصتنا والذي كنت أضعه علي ( الطبلون ) ..وما أحزنني أنه ضحك عليّ وحرمني من وسيلة التواصل مع زبائني ..وكلفني مشوار لتسليم الحقيبة للشرطة وعندما فتحوها وجدناها وهي تنوء بالحجارة ..الشاويش قال لي ربنا يعوضك .. بعد أن علم بالقصة ..عدت أدراجي للموقف وما أن توقفت حتي تقدم نحوي اثنان من الشباب ..مرحبا .. ممكن تودينا مشوار جنوب الخرطوم ..ممكن طبعاً ..بكم المشوار ؟ ..مائة ألف جنيه ..كم ؟!! ..مائة ألف جنيه ..؟!!!..يا شباب بين سيد البضاعه والمشتري ..يفتح الله ويستر الله .. ما قلنا شيء لكن هذا المبلغ كثير جداً علي هكذا مشوار ..والله يا شباب أنا كلمتي واحده ..(سيبك منو ده واحد جبان )هكذا وصفني أحدهم لرفيقه ..ومن ثمّ انصرفا ..تقدم نحوي بعد حوالي نصف ساعة انتظار شخص وزوجته فيما يبدو ..يا أسطي ممكن تأخذنا مشوار جنوب الخرطوم ..ممكن طبعاً.. بكم المشوار ؟ ..مائة ألف جنيه ..أنت تمزح ولا ريب ؟ ..بالطبع لا أمزح ..التفت نحو زوجته وهمس في وجهها ..(سيبك منو ..ده واحد جبان )..فكرت في تناول شيء من الكافتيريا القريبة من الموقف في هذا البرد القارص ..فتقدم نحوي رجل في العقد السادس من العمر ..يحمل كمية كبيرة من الكتب ..يا إبني ..يا إبني ..مشوار إلي معرض الكتاب بالخرطوم شرق..؟ ..ممكن طبعاً فقط أمنحني خمس دقائق أتناول خلالها شيئاً من الطعام ..والمشوار بكم ؟ ..سنتفق عليه لا حقاً ..لا تحمل هماً ..وأنا أيضاً أشعر بالجوع ..إذن هيا بنا ..فيم الانتظار . ..لكن هل ندع الكتب هكذا خارج العربة ..يا أستاذ لا تخف عليها ..هل سمعت بلص يسرق كتاباً أو يسطو علي مكتبه ؟ ..تعال ..تعال ..أؤكد لك أنها لو مكثت بمكانها عاماً كاملاً لن يلمسها أحد ..وفي الكافتيريا دردشنا أثناء تناول الساندوتشات ..سألته عن سبب ذهابه لمعرض الكتاب ..والله يا إبني قمت بطباعة الكتاب هذا قبل خمسة أعوام لم أوزع منه غير خمسة نسخ فقط ..وما موضوع كتابك يا عماه ؟ ..الكتاب حول ( هموم العصر الحديث ) ..ويتحدث عن الصراع بين الإنسان والحضارة في إطار المنظومة الجديدة للقيم المجتمعية السائدة بعد ظهور العولمة والحداثة ..طبعاً لم أفهم أي شيء .. قلت له والله هذا كلام جميل ..ربنا يوفقك ..وعندما عدنا للعربة وجدنا ربطة الكتب سليمة لم يلمسها أحد ..قلت له ..(جالك كلامي) ..الكتب كما هي .. .. لو كانت ربطة أحذية لما عثرنا لها علي أثر ..غضب من كلامي هذا وقال لي في انفعال ظاهر ..كيف تتجرأ وتقارن الكتب بالأحذية ..هذه أهانه للمعرفة ..طيبت خاطره وحملته حتي المعرض ..منحني خمسة ألف جنيه وهو يعتذر ..شكرته ..وعدت أدراجي نحو السوق مرة أخري ..خمسة ألف جنيه ؟! ياما أنت كريم يا رب .وحتي جديد اللقاء مع يوميات جديدة أترككم في رعاية الله وحفظه .