الهجر على أربعة أضرب هجر ملالٍ
وهجر دلالٍ
وهجر مكافاةٍ على الذُّنوب
وهجرٌ يوجبه البغض المتمكِّن في القلوب
فأمَّا هجر الدَّلال فهو ألذُّ من كثير الوصال
وأما هجر الملال فيطلبه من الأيَّام واللَّيالي إما بنأي الدَّار وإمَّا بطول الاهتجار.
وفي مثل ذلك يقول الشاعر:
لا تجزعَنْ من هجرِ ذي ملَّةٍ ... أظهرَ بعدَ الوصلِ هِجرانا
يملُّ هذا مثلَ ما ملَّ ذا ... فيرجعُ الوصلُ كما كانا
وأما الهجر الَّذي يتولَّد عن الذَّنب
فالتَّوبة تخرجه عن القلب
وأما الهجر الَّذي يوجبه البغض الطَّبيعي فهو الَّذي لا دواء له
وقد قال الجاحظ لكلِّ شيءٍ رفيقٌ ورفيق الموت الهجر
وليس الأمر كما قال بل لكلِّ شيءٍ رفيقٌ ورفيق الهجر الموت.
ألم تسمع قول ذي الرمة:
سألتُ ذوي الأهواءِ والنَّاس كلَّهُمْ ... وكُلَّ فتًى دانٍ وآخرَ ينزِحُ
أتُقرحُ أكبادُ المحبِّينَ كالذي ... أرى كبدي من حبِّ ميَّةَ تُقرحُ
لئنْ كانتِ الدُّنيا عليَّ كما أرى ... تباريحَ من ميٍّ فلَلْموتُ أرْوحُ
وفي مثله يقول بعض أهل هذا العصر:
ما لي أُلفِّتُ وجهاً غيرَ مُلْتفتٍ ... نحوي وأعطفُ قلباً غيرَ مُنعطِفِ
يُغرى بهجري كما أُغرى بأُلْفتهِ ... هذا لَعمري ودادٌ جدُّ مُختلفُ
حجبتُ عيني عنِ الدُّنيا ونضرتِها ... شوقاً وأبرزتُها للحُزنِ والأسفِ
إلاَّ تكنْ تلفَتْ نفسي عليكَ فقدْ ... أصبحْتُ والله مشتاقاً إلى التَّلفِ
وفي نحو ذلك يقول قيس بن الملوح:
فوالله ثمَّ الله إنِّي لَدائبٌ ... أُفكِّرُ ما ذنبي إليها فأعجَبُ
ووالله ما أدري علامَ صرَمْتني ... وأيَّ أُموري فيكِ يا ليلُ أركبُ
أأقْطعُ حبلَ الوصلِ فالموتُ دونهُ ... أمَ اشربُ كأساً منكمُ ليس تُشربُ
أمَ اهْربُ حتَّى لا أرى لي مُجاوراً ... أمَ افْعلُ ماذا أمْ أبوحُ فأغلبُ
وإنَّهما يا ليلُ إنْ تفعلي بنا ... فآخرُ مهجورٌ وأوَّلُ مُعتبُ
وما قيل في هذا المعنى من الأشعار القديمة والمحدثة أكثر من أنْ يحيط به كتاب فضلاً عن أن يتضمَّنه بابٌ.
فهاتوا ما عندكم ...ونحن لكم من الشاكرين
وما العلم إلا بالتعلم