https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=55640
(بمعروف) عنوان يذكر بآيات قرآنية كريمة تدعو إلى معاملة النّساء بالمعروف.
"فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" (البقرة 299)
"أمسكوهنّ بمعروف أو سرّحوهنّ بمعروف" (البقرة 231)
"فأمسكوهنّ بمعروف أو فارقوهنّ بمعروف" (الطلاق 2)
"واتمروا بينكم بمعروف" (الطلاق 6)
نحن أمام فكرة عرضت في قصتين. ففي القصة الأولى الزوجة تقوم بواجباتها تجاه زوجها على أكمل وجه. وجاءت الأحداث معروضة لنا من قبل راوٍ مشرف كلّي، وصف لنا الخارج والداخل. حيث استقبلت الزوجة زوجها مشعلة الشّموع بكل هدوء وروية. والبيئة المصورة هي بيئة ثرية زاخرة بمسببات الراحة. أريكة وثيرة، مائدة غنية بالأطعمة، وغنى عاطفي وتنتظره بشوق. ثم ينتقل الوصف إلى الداخل: شعور الحب والرضا والسعادة لعلاقة بدأت منذ عشر سنين وتطورت. ويبدأ توتر الأحداث بجملة " ولست أدري لمَ أشعر.." أي أنّ المشاعر تغيرت... ثم راحت تستعيد الذكريات بالنظر إلى الصّورة. ويطول المونولوج لتعرض لنا الشخصية من خلاله الخلل الذي أصاب العلاقة الزوجية.
لم يعكس دخول الزوج إلى بيته وتعامله مع زوجه أن هناك مشكلة في العلاقة. لقد عبّر الزوجان عن شوقهما وبدت الأمور سوية؛ ليتفاجأ القارئ بعدها بأن جوزيف حاضر جسدا، وليس روحا ومعترفا لزوجه بارتباط وتعلق قلبه بأخرى؛ لأن بينهما ميولا واهتمامات مشتركة، وطلب منها المسامحة. ويدهش القارئ من ردّة فعل (ماريا) التي أبدت استعدادا لالعيش مع ضرّة لكن الكنيسة والقانون لا يسمحان وأعطته مطلق الحرية في التصرف، ثم اتصلت بعشيقته تستأذنها أن تكون صديقة، وطلبت من الزوج الاحتفاظ بصورته.
يقف القارئ أمام مشهد غير مألوف. زوجة تتحلى بصفات غير معهودة بالنسبة للمرأة - من وجهة نظر نسائية - فلا يمكن أن تدعو امرأة ضرة إلى بيتها وإن سمح القانون، فالضَرّة لغةً من الضرر. وكأننا هنا أمام الواقع المنشود، أي احترام وتقبل، وإن اختلفت الآراء، ففراق بمعروف.
الصورة مركبة وتظهر بدعوة للحفاظ على الأخلاقيات والمثاليات ضمن إطار الأسرة، طالما الزوجان مرتبطان وهي هنا المعاشرة بمعروف. وطيبة المرأة ربما كانت إشارة لعدم إعطاء الشرعية للزوج للذهاب إلى من فضّلها عليها. فهي تقوم بواجبها - حسب ما عرض في النص - وما ادّعاه من حاجته لأخرى لم يعطه النص أهمية نصيّة، حيث لم يحتل مساحة في النص كتلك التي احتلها ما تقوم به الزوجة.
في القصّة الثّانية، حافظ الكاتب على نفس الزّمان الذي ذكر في الأولى وهو الشّتاء، (يلبس معطفه الثقيل...لنهار شتوي) وفي كلتا القصتين نظر البطل من خلال النافذة. فالنافذة هي المنظار الذي ينظر من خلاله للكون، وأداة كشف. لكن ما رأى يوسف يختلف عما رأته ماريا، فالأخيرة رأت الثلوج وكان الوقت ليلا. الثلج حالة جامدة من المادة. إشارة ورمز مسبق إلى أن هناك جمودا وفتورا في العلاقة، والليل زاد من القتامة، فرحيل الزّوج في النهاية مهّد له النص.
ينظر يوسف لنهار شتويّ. النهار نور والنور حياة. وهنا رمز أن حياته مستمرة بوضوح فهو مشغول جدا، وزميلته في الجامعة تحبّه وقد وجد نفسه ينساق وراء هذا الحب، وفي نفس الوقت يحرص على إسعاد زوجه.
إشراف الراوي الكلي هنا بدا أيضا جليّا. فقد وصف السّلوكيّات والمظهر وما يختلج في النفس من مشاعر وأفكار... يدخل يوسف مبتسما ومريم بعكس ماريا التي حضّرت مائدة فاخرة، تحتسي القهوة بعبوس وترفض إقترابه منها وهديّته. صورة معاكسة لما قرأناه في الأولى (تصرف المرأة)، وليس هذا فحسب فالمرأة هنا تتغنى بماضيها وبمن تقدم لها من شبّان. وهذا المنشود خطير لأنّه ماضٍ. فحياتها قائمة على ذكرى وهميّة تتحسر عليها وترغب فيها وتذكّره نقمةً من الحاضر الموجود.
أثناء جدال يوسف ومريم نلاحظ الإسقاط على الآخرين هي تقول: (سامح الله أبي)، وهو يقول: (سامح الله أمّي). هنا تنصّل من المسؤولية في الاختيار ونقمة على الموجود. وهذا نوع من الهروب ووسيلة دفاع عن النّفس التي لم تفلح في التأقلم والعيش مع واقعها.
يوجد تطرق لقضيّة اجتماعية هامة وخطيرة في الزواج. وهي اختيار الأهل وتدخلاتهم في حياة أبنائهم. وهذه ظاهرة تميّز المجتمع الشرقي؛ لذلك لم تذكر في القصة الأولى (عشر سنوات منذ التقيته)
ويكمل الرجل بالدفاع عن ذاته بذكر قيامه بواجبه وتقديم كلّ ما يلزم (هل قصرت بحقك يوما؟، هل قسوت عليك) يعكس كلامه أنه ملتزم بواجباته تجاه زوجه رغم عدم اختياره لها. وهنا دعوة للالتزام بالعشرة الحسنة والمعاملة الجيدة، وان لم يكن الحبّ هو أساس العلاقة. لكن علاقة المرأة تعكس الموجود الصعب، والرجل يعكس المنشود رغم أنه موجود.
هناك أيضا تطرق إلى قضية الجمال الخارجي التي تباهت به مريم. ولهذا أهمية كبرى، فهو اهتمام بالمظهر دون الجوهر. وربما كان القصد أن الجمال دون الأخلاق والتعامل الحسن لا قيمة له، وبيّن كلامها أنها سخيفة وسطحيّة ولا تفكر بعمق. فلم يفدها جمالها في سعادتها.
كانت نهاية الجدال باعلان يوسف نيّته الزواج بأخرى. وهنا نقف أمام حالة من الحالات التي تبيح للرجل الزّواج من أخرى، طالما كان تعسا في حياته ولا يجد ما يحبّ، رغم عدم تقصيره في واجباته .
فالزواج بالثانية يعرض كضرورة وحاجة، وليس ركضا وراء الأهواء والشهوات. النهاية في كلتا القصتين كانت الفراق، لكن في الثانية ساد العنف الذي كان سوءا في التصرف وكبتًا داخليا. حيث لم تحسن الشخصية التّعبير فجاء السلوك همجيّا بينما في الأولى ساد الهدوء والعقلانية.
الواقع الموجود في القصتين غير مرضٍ. هناك طرف ممتعض مما يؤدي إلى تخلخل العلاقة الزّوجيّة. وتعرض القصتان شخصّية الرّجل الباحث عن سعادته مع امرأة أخرى، بينما لم تظهر المرأة رغبة في البحث عن بديل للزوج الذي تركها برضا، وللزوج الذي تركها مخذولا. أي أنّ الحل أعطي للرجل ولم يعط للمرأة. وقد يكون ذلك إشارة أو توضيحا لأسباب التعددية وليس البحث عن بديل للطرف الآخر.
تعيش الشّخصيات في القصتين حياة غير مرضية لذا كان المنشود حياة أفضل. وهنا دعوة لعدم التقوقع أو البقاء ملتصقين بطين الحياة طالما كانت هناك مياه عذبة يمكن التّطهير بها مع الحفاظ على الحكمة والفطنة أثناء الغوص في طين العلاقة التي ينوي طرفٌ التخلص منها. وهذا ما تحقّق في القصّتين ومع رجلين ينتميان لعالمين مختلفين في كل شيء. وهنا يظهر هدف القصة القصّتين (مع أن كل قصة بالإمكان اعتبارها مستقلة وقائمة بحد ذاتها) ، لكن جاءت الثّنائية للمقارنة وإثبات الشّمولية في الفكر والتّجربة بين بني البشر من أجناس مختلفة، ودعوة لحياة كريمة حسب ما يحتاج الفرد، وبما أقرّه الله له ولا حاجة لظلم النفس.