استكمالاً لما تناولته في الحلقة الأولى من "اكتساب اللغة بين العرب والغرب " تأتي هذه الحلقة لتتناول نظريةً أُخرى و أصلها العربي . https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=51601
يقول السموأل
إذا المرء أعيته المروءة يافعاً............فمطلبها كهلاً عليه عسير
شكل الأطفال منبعاً غزيراً للدارسين . فقد أظهر الأطفال قدراتٍ رائعة لاكتساب اللغات فاهتم الدارسون بمتابعة و دراسة مراحل اكتساب الأطفال للغات . فخرج العلماء بنظرياتٍ مهمة حول اكتساب اللغة عند الأطفال من أهمها نظرية السن الحرج أو Critical period لنيبيرج . توضح النظرية أن أفضل عمرٍ لاكتساب اللغة هو أول ستة أو سبعة سنوات من عمر الطفل. يقول تشومسكي " إن الطفل يمتلك خواص فطرية للغة تفسر مقدرته على اكتساب لغته الأم خلال وقت قصير، رغم الطبيعة التجريدية العالية لقواعد اللغة" . ويقول دوجلاس براون(Douglas Brown, 1987):” إنّ الأطفال يولدون ولديهم الفطرة لتعلم اللغة، وهذه القدرات الفطرية موجودة لدى جميع أفراد النوع البشري” (LAD ). تحدث ابن خلدون عن تفوق الاطفال في اكتساب اللغة أيضا فقال " كأصاغر أبناء العجم الذين يربون مع العرب قبل أن تستحكم عجمتهم، فتكون اللغة العربية كأنها السابقة لهم» (المقدمة ص1054).
لقد أوضح ابن خلدون الفرق بين مفهومين رئيسين في موضوع الاكتساب وهما الاكتساب و التعلم " وهذه الملكة كما تقدم تحصل بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع والتفطن لخواص تركيبه، وليست تحصل بمعرفة القوانين العلمية في ذلك، التي استنبطها أهل صناعة البيان. فإن القوانين إنما تفيد علماً بذلك اللسان ولا تفيد حصول الملكة في محلها". (المقدمة ص1086) وهو ما تحدث عنه كراشن الذي رأى أن الاكتساب هو الذي يؤدي إلى الاتصال الطبيعي وليس التعلم . إذاً فالاكتساب لا علاقة له بمعرفة قواعد اللغة من نحوٍ وصرفٍ و؟إنما هو القدرة على استخدام اللغة كأداةٍ للتعبير.
لقد شرح ابن خلدون كيفية اكتساب الطفل للغة يقول ابن خلدون " أما حصول الملكة بكثرة الحفظ فقد تقدم الكلام عليه. وأما جودتها فتكون على قدر جودة المحفوظ وطبقته في جنسه. "وعلى مقدار جودة المحفوظ أو المسموع تكون جودة الاستعمال بعده، ثم إجادة الملكة من بعدهما فبارتقاء المحفوظ في طبقته من الكلام ترتقي الملكة الحاصلة؛ لأن الطبع إنما ينسج على منوالها. وتنمو الملكة بتغذيتها." 1303 إذاً فالممارسة والتكرار تعملان على رفع كفاءة المُتحدث و إتقانه للغة .
تحدث لافلت levelt عن مراحل إنتاج اللغة فقسمها إلى ثلاثة مراحل الأولى تكوين المفهوم conceptualizer فالمتحدث بحاجة إلى فكرة أو مفهوم لكي يُعبر عنه . والمرحلة الثانية هي lexicon هذا المصطلح يُشير إلى القاموس اللغوي الموجود في عقل المُتحدث الذي يضم النظام اللغوي من كلمات و نحو و قواعد ففي هذه المرحلة يقوم المُتحدث باختيار المفردات المُناسبة (lemmas) و اختيار الصياغة المُناسبة ليُعبر عن فكرته . المرحلة الأخيرة هي articulator وهي نطق الكلمات أو إصدار الصوت . وقد شرح ابن خلدون هذه المراحل قائلاً "فالمتكلم من العرب حيث كانت ملكة اللغة العربية موجودة فيهم يسمع كلام أهل جيله وأساليبهم في مخاطبتهم وكيفية تعبيرهم عن مقاصدهم كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها فيُلَقَّنُها أولاً، ثم يسمع التراكيب بعدها فيلقنها كذلك، ثم لا يزال سماعه لذلك يتجدد في كل لحظة ومن كل متكلم واستعماله يتكرر إلى أن يصير ذلك ملكة وصفةً راسخةً ويكون كأحدهم، هكذا تصير الألسن واللغات من جيلٍ إلى جيل وتعلمها العجم والأطفال." .(المقدمة،320).. فقال أن الصبي يسمع المفردات وأساليب استخدامها فتزداد حصيلته من الكلمات (lemmas) ويتجدد سماعها إلى أن يألفها و يألف استخداماتها فيصير ذو مَلَكة . مما سبق يتضح تفوق الأطفال على من يكبرونهم سناً في اكتساب اللغات و إجادتها ولكن تبقى الفروقات الفردية قائمة .