قصة قصيرة من رواياتي المثيرة
المهرج
الساحر الحاذق الخارق
سادَ الهدوءُ الحذرِ قاعةَ أكبر مسرحٍ بالعالمِ بينما كانَ جمهورهُ الطابقيُ يترقّبُ معجزةً منَ المهرّجِ الساحرِ والخارقِ والحاذقِ الذي لمْ يَعرِف ذلكَ المسرحُ مثله مِنْ قبل مُنذُ تَأْسِيْسهِِ !
_ منْ وجهةِ نظرِهِم ْعلى الأقلّ , وجهةُ نظرِ جمهوره الطابقي طبعاً –
فيما تسارعتْ وتيرةُ عملِ شبكاتُ النّقل الحيّ لنقلِ الحدث على الهواءِ مباشرةً من أقصى الأرضِ شرقاً إلى أغربِها غرباً .
أنا شخصياً تابعتُ الحدثَ عبر (الإنترنت) لأسبابٍ خاصةٍ لا مجالَ لذكرِها هَا هُنا .
جِيءَ بأدواتِ السّاحرِ الضرورية وإِذْ بأحدِ الشبّانِ يُوضعُ على الحلبةِ معصوباً على عينيهِ - ربما لكي لا يعرفه أحد - دعونا نستمتع ونحن نشاهد ما آلت اليه الحريات في هذه البقعة الراقية من الأرض عندما حاولَ أحدُ الصحفيينَ التوجّهَ لهُ بسؤالٍ عنْ حالتهِ النّفسيةِ صَمَتَ الفتى كالطفلِ الصغيرِ فمنَ المعيبِ أنْ يتحدثَ بوجودِ كبيره الذي يعلمهُ السّحرَ وكعلاقةٍ متعديةٍ تكلّمَ المهرّجُ عِوضاً عنهُ لأنّهُ مجرّد فتىً مشاركاً بعالمِ السّحرِ وليسَ ضَرورياً أخذ رأيهِ - حسبَ رأيِ المهرّجِ طبعاً – فقدْ اعتبرَهُ المهرّجُ بهيمةً لا تَعيْ ما تقولُ , ..فلغةُ الفتى ركيكةٌ ولا تتماشىْ مع لغة الحضورِ الكرامِ وهيئةِ المسرحِ ومعَ إدارتهِِ العريقةِ .
والمهمّ وبعدَ طُول انتظارٍ بدءَ بطلُ القصّةِ ( المهرّج ) مهمّتَهُ السهلة الممتنعة ...
( سهلةٌ بنظرهِ العميقِ البعيد ِ و ممتنعةٌ بنظرِ الجمهورِ الغفيرِ الكبير ِ )
ابتسمَ المهرّجُ ابتسامةَ الرجلِ الواثقِ منْ نفسهِ ومنْ سحرهِ وربّمَا تخيّلَ نفسَهُ بتلكَ اللّحظة قائداً عظيماً أو رُبّما ظَنّ نفسهُ الحجّاحَ بن يوسفَ الثّقفي وقدْ رأى كبشاً و يُريدُ قِطافه.
وإذْ بالساحر فجأة وقد أَغمدَ السّيوفَ الواحد تلو الآخر بجسدِ الفتىْ (الفتىْ المشاركِ بعالمِ السّحرِ كما نوّهتُ مُسبقاً) بدمٍ باردٍ
نفسُ الفتىْ الذيْ جِيءَ بهِ إلى المسرح ِ كأدوات للساحر ذلك الفتى الذي ربما كانتْ عيناهُ معصوبتانِ كيْ لا يخرَّ مغشيّاً عليهِ منْ هيبةِ المسرحِ الموقّرةِ والحضورِ الكبارِ وليسَ تجنباً لرؤيةِ السّيوفِ بالتأكيدِ لكونِ السيوف تقليدٌ عريقٌ يسري بدمِ الفتىْ منذُ نعومةِ أظافرهِ .
حملقَ الجميعُ بدهشةٍ مدهشةٍ وطُلِيَ جُدرانُ المكانِ بالصّمتِ المطبقِ و انطبقتْ الأنفاسُ طويلاً منتظرينَ السّاحرَ الحاذقَ الخارقَ لكي يعيدَ الرّوحَ للفتىْ المشارك المذبوح !
لكنّهُ ( أيْ الفتىْ المشارك ) ماتَ بالفعلِ!
وبرقَ المسرحُ منْ انعكاساتِ لمعان أسنان الحضورِ بالصّفِ الأماميْ التي طَغَتْ على انعكاسات ِ الضوء الناتج عن لمعان الأحذيةِ التي ينتعلونَها.
فانطلقتْ الضحكاتُ قافزةً مِنْ مقاعدِ الصفوفِ التاليةِ لتعتليَ سدةَ المسرحِ وصفّقَ الجمهورُ الطابقيُّ منَ الصفوفِ الخلفيةِ طويلاً للمهرّجِ الحاذقِ والخارقِ.. حتى التهبتْ الأكفُّ منْ شدّةِ التصفيقِ الشّديدِ.
وبَكى المهرّجُ !
(السّاحرُ الحاذقُ الخارقُ الذيْ لم يعرفَ المسرحُ مثله مهرّجاً من قبل- من وجه نظر جمهوره الطابقي كما نوّهتُ مُسبقاً-)
وانحنى أمام الفتى المشاركَ عندما رأى انقلابَ السّحرُ على السّاحرِ .
أنا بصراحة لم أعد أعرف هل انحنى المهرّج للجمهور الذي شجعه أم إكراماً لروح الفقيد ولم أعرف أصلاً سبب بكائه مع أنّني أنا المؤلّف لهذه القصة وهل هو بكى من شدة الفرح بالتصفيق الذي ناله أم حزناً على الفتى المقتول الذي قضت عليه كلتا يديهِ بعدَ أنْ انقلبَ السّحرُ على السّاحرِ!
و لكي لا أظلمه أقول الله أعلم .
أتابع لحضرتكم القصة فليسَ شعوريْ هوَ المهمّ هُنا , الشيءُ المهمُ و المُلفتُ للنّظرِ كانَ وقوفَ الجمهورِ مصفقاً وهوَ يهتفُ للساحرِ الحازقِ الخارقِ بعباراتٍ تؤكّدُ أنّهُ أفضل مهرجٍ أتىْ على هذا المسرحَ منذُ تأسيسهِ.
ومؤخّراً طلبَ الجمهورُ - الطابقيُّ - عروضاًَ أُخرى لمهرّجٍ جديدٍ !
غير المهرّجِ بطلُ القصةِ !!! ( الذيْ لمْ يعرفْ مسرحُهُمْ العالميُّ ساحراً حاذقاً وخارقاً مثلهُ قِطْ )
فإلى اللقاءِ مَعَ ساحرٍ خارقٍ حاذقٍ جَدِيْدٍ !