السعــادة
بـ قلم : ابتسام محمد الحسن
لفظة "سعادة" نتادولها بكثرة في حياتنا اليومية و إذا فكرنا في دلالات هذا اللفظ عند عامة الناس فسنرى بأن كل معانيها إيجابية و في نفس الوقت سنجدها بأنها متباينة، إذ تعني السعادة أحيانا الحياة المليئة بالمنح المادية (مال، عقار، وسائل ترفيه....) و قد تعني السعادة الحياة الخالية من المشاكل العائلية (طلاق، صراعات... ) إضافة إلى هذا فقد تعني السعادة عند بعض الناس التوفر على صحة جيدة فقط ! هذا الإختلاف بين عامة الناس في إيجاد معنى محدد لماهية السعادة يرجع إلى كون كل واحد منهم يربط سعادته بما يفتقر إليه.
فالفقير مثلا يرى بأن السعادة هي النقوذ و الغني المريض يرى بأن السعادة الحقيقية هي الصحة... و ما يمكننا ملاحظته أيضا هو أن الفرد تختلف سعادته من وقت لآخر حسب الظروف و حسب السن أيضا فسعادتك عندما كنت طفلا ليست هي سعادتك الآن ! و ليست هي سعادتك غدا ! لكن السؤال اللذي يبقى يطرح نفسه هو :
" هل السعادة سعادة للبدن أم للعقل أم للقلب؟"
1 السعادة هي سعادة البدن:
يرى الكثير من الناس أن السعادة المثلى هي سعادة البدن أي أنها مرتبطة بتحقيق اللذة و تجنب الألم ( كلذة الأكل و لذة الشرب...)
و من بين الفلاسفة الذين تبنو هذه الأطروحة نجد الفيلسوف أرستبوس حيث يرى بأن السعادة بالنسبة له سعادة الجسد أي أن إحساس الفرد بالسعادة يحدد قيمته الإنسانية و بالتالي فهو يقول بأن المهارات الجسدية التي يقوم بها الإنسان أكثر أهمية من الرياضيات، حيث أن هذه الأخيرة لا تحقق لذة و بالتالي لا تحقق السعادة ... إذا أكمل السعادات هي سعادة البدن.
2 السعادة هي إرضاء للعقل:
و خلافا للأطروحة السابقة يرى البعض بأن السعادة ليست إرضاءا للبدن بل هي إرضاء للعقل حيث نجد بأن بالنسبة للفيلسوف الكبيرأرسطو السعادة هي الفضيلة و بما أن الفضيلة المثلى هي التي تمثل العقل بالنسبة للإنسان فإن السعادة سعادة عقلية.
وهذه النظرية نجدها كثيرا عند فلاسفة الإغريق لما يعطون من أهمية للعقل، و هنا نستحضر الكوجيطو الديكارتي " أنا أفكر إذا فأنا موجود" فالعقل بالنسبة لديكارت هو أسمى ما يملكه الإنسان و منه فإن سعادته ترتبط بالعقل حيث أن هذا الأخير هو ما يميز الإنسان عن باقي المخلوقات فهو أعظم نعمة لدى البشر أما إن كانت السعادة سعادة بدن فلا فرق بيننا و بين الحيوان في تحقيق السعادة !
3 السعادة إرضاء للقلب:
إذا كانت السعادة بالنسبة للفلاسفة هو البرهان العقلي فإن المتصوفة يرون أن السعادة تتحقق بالقلب حيث يتجاوزون قدرات العقل و البدن ... ولا يستطيع أي واحد الإحساس بها إلاقلب "العارف"، وهذا الأخير هو الذي وصل إلى قمة القوة و الورع و اللتي يستمدها مباشرة من من منبعها المقدس و هي القوة الإلهية.
و الصوفيون يقولون بأن السعادة القلبية تحتاج للكثير من الصبر، و هي غير قابلة للوصف و تعجز الكلمات عن وصفها لذا فعلى من يريد أن يشعر بها أن يصبح من أهل المشاهدة أي إلى أن يصل إلى درجة الإحساس بالسعادة القلبية.
و بين هذه الأفكار وتلك فمن منا اليوم لا يحب أن يجمع بين هذه السعادة الثلاثية الأبعاد ؟ ( البدنية، العقلية و القلبية)
لكن السؤال الذي يبقى يطرح نفسه هو كيف سنحقق هذه المعادلة الصعبة في زمن لم يعد فيه للسعادة معنى واحداً !! ؟؟
تحيتي