هل أخطأ هؤلاء ؟
في مواسم الخير يتسابق الناس إلى التقرب إلى الله بالعبادات وعمل الطاعات , فتراهم يقبلون في هذه الأيام العشرة المباركة من ذي الحجة يقبلون على الصوم والصلاة والأذكار , ويظنون أنهم بذلك استغلوا الموسم أفضل استغلال وعملوا كل ما يمكنهم من اكتساب أكبر قدر ممكن من الحسنات , فهل أصابوا في ذلك ؟
لا يمكنني القول إنهم أخطأوا لكن , هل استغلوا الموسم إلى أبعد حد ممكن بالصيام والقيام والذكر وما نفعوا بذلك إلا أنفسهم ؟؟
أليس هناك من طريقة لكسب الأجر في عمل لا يقتصر نفعه على فاعله ؟ ما سميته في عنواني الحسنة المتعدية التي يتعدى نفعها صاحبها إلى غيره , وربما يعمل الإنسان حسنة تنفع الإسلام والمسلمين فيكون بذلك قد أبلغ حتى في نفع نفسه لأنه سيأخذ أجر كل من استفاد من حسنته , ذلك بدل أن يقضي وقته منعزلا يؤدي عبادات لا يستفيد غيره منها .
فأين نحن من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ؛ وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرا ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزول الأقدام (( ؟
أين نحن من صلة الأرحام ولو تأمل أحدنا حوله فسوف يجد أرحاما مقطعة وتهاجر مضت عليه أزمنة , فهذا أخ خاصمه منذ شهور في لعاعة من الدنيا , وتلك أخت لم يكلمها منذ أسابيع , ويقنع نفسه أنه مشغول , وهذا عم وتلك خالة وابن عم وابن خال ربما لو التقى بهم في الطريق لم يعرفهم , ثم يقبل في مواسم الخير على الصيام والقيام ويظن أنه بذلك يحسن صنعا !! وأين نحن من عيادة المريض , أليس لأحدنا قريب مريض ؟ كيف والأمراض لم تترك صغيرا ولا كبيرا ؟ أم أن من أهلنا من هم مرضى ولا ندري لأننا لا نسأل عنهم ؟ هل ننتظر حتى يحم القضاء لنترحم عليهم ولات حين مندم , ثم ليكن كل أهلنا وأقربائنا في عافية وهذا ما نرجوه , لماذا لا يجتمع نفر منا فيزورون المستشفيات ويقولون كلمة خير , يعلمون المرضى الأذكار والالتجاء إلى الله ويدعون لهم بخير , ما العيب في ذلك ؟؟ ولماذا لا تجتمع مجموعة من الفتيات ليقمن بهذه الزيارة لأقسام الأطفال والأقسام النسائية في المستشفيات ؟ في السجون ؟ في دور المسنين ؟ في دور الأيتام ؟ وربما أخذوا معهم وأخذن معهن بعض الهدايا الرمزية فيدخلون السرور على جماعة من المسلمين هم في أمس الحاجة لكلمة مواساة , ويكونون قد قاموا بأحب الأعمال إلى الله .
بل وأين نحن من الدعاء للمسلمين خاصة الذين يتعرضون للحصار والاحتلال وغيره , أين نحن من قول كلمة حق تسهم في رفع الحصار ودفع الاحتلال ولو بقدر ما تسهم شمعة في تبديد الظلام .
أين نحن من الصدقات , وهل يقبل الله منا أن نجتهد في صوم النافلة ثم نزين مائدة إفطارنا بأشهى المأكولات من حلو ومالح وحار وبارد وحولنا وربما في حينا من يطوي جوعا وينام دون عشاء لأنه لا يجد ما يأكله ؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله " ؟
وهذا عيد الأضحى على الأبواب , فماذا أعددنا له ؟ هل أعددنا الحلويات وأصناف الكعك , واشترينا أثواب العيد لنا ولأبنائنا ؟ فمن يشتري عيدية لليتيم ؟ ومن يهدي ملابس العيد لأبناء الأسر المتعففة من الفقراء والمساكين الذين لا يسألون الناس إلحافا ؟؟
ألم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم المشي في حاجة الأخ خير من الاعتكاف في مسجده شهرا ؟ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم , وفي مسجده بين قبره عليه الصلاة والسلام ومنبره روضة من رياض الجنة ؟ أين نحن من هذا الفهم ؟
وبعد أليس الإنسان يتكلم بكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات , كمن قال كلمة في الرد عن عرض أخيه , أو في إصلاح ذات بين , في نصرة مظلوم وفي إحقاق حق وإبطال باطل .
دعونا نبحث عن الحسنات المتعدية ــ ولا نهمل الحسنات اللازمة ــ نتقرب بها إلى الله فيصدق فينا قوله صلى الله عليه وسلم المؤمن للمؤمن كالبنيان بشد بعضه بعضا أو قوله مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى .
ثم لماذا نخطط ليوم عمل في الدنيا ونحضر ما يلزمنا ولا نخطط للاستفادة من هذا الموسم المبارك لأقصى حد ممكن ؟ ليتنا نخطط لقضاء هذه الأيام ونعد جدولا بالزيارات وقائمة اتصالات , ونرصد مبلغا من المال لتوزيعه على أصحاب الحاجات , إننا إن فعلنا فنحن أول المستفيدين , لا تأس على ما فات وشمر للاستفادة مما بقي , فهي أيام قليلة وينفض السوق .