علت أصواتُ الضجيج في كل أرجاءِ الصف , فما أن دخله التلاميذ حتى بدؤوا يتجاذبون بانفعالٍ
وحماسٍ بالغين أخبار الفن والموسيقى , و آخر البطولات الرياضية , و أحدثِ صيحاتِ الموضة
والأزياء , والمطاعم والوجبات السريعة وبعض أسرارهم العاطفية , وكثيراً من مغامراتهم الغرامية
التي أدخلوا على الحقيقي منها كثيراً من المبالغةِ بفعلِ سعة خيالهم , وتأججِ نيرانِ الحب في قلوبهم
و إحساسهم الدائم بأن أرواح من ضرب بهم التاريخ أمثلته في العشق , كعنترة و أميرته ليلى
و جميلٌ ومعشوقته بُثينة , والعامرية ومجنونها قيس , ما زالت تحوم حول عُشاق كل زمانٍ لتُلهمهم
من أحوال الحب , جنونه و روعته وطيشه وظرافته , وما أن داست قدما الأستاذ عتبة باب الصف
حتى كان للصمتِ , كلمته الأولى في الغرفة , فعادت ألسنةُ جميع التلاميذ أدراجها , لتهبط بسرعة
في مطارات أفواههم و أضحت عيونهم تنظر إلى اللاشيء في الغرفة وباتوا كمن تحسبهم جميعاً
وقلوبهم شتى وجلس الأستاذ على كرسيه , يتفقد أوراق درسه , ثم قام ونظر في وجوه التلاميذ
بعيونٍ تكاد تميز من الغيظ من شدة الوعيد والتهديد , وشعر التلاميذ أن أستاذهم يريدُ تصفية حساباته
مع الدنيا من خلالهم , و أنه دخل الصف وبيده اليمنى دفترُ تحضيرالدرس , وبيده اليسرى دفتر جردٍ
لهمومه , وبواعث سخطه وتذمره من طبيعة الدروس , التي تُلقنها له الحياة خارج المدرسة , ثم بدأ
يشرحُ الدرس بصوتٍ غليظٍ لا يروق للسمع سواء أأخفضه أم أعلاه , يأتي بالمسائل ثم يقيمُ البراهين
عليها , وما أن ينتهي من شرحِ مسألةٍ لا ينتقلُ إلى الأخرى إلا بعد أن يُطلق رشقة ,ً من زفراتٍ قد
مُلأت من ضيق صدره وسوء مزاجه , وبعد أن فرغ من شرح الدرس , سأل التلاميذ فيما إذا كان أحدٌ
منهم لم يفهم الدرس, فلم يُجب أحد , فكشر عن أسنانه الصفراء مُبتسماً , مزهواً بقدراته الفذّة في إفهامِ
التلاميذ لدروسهم , ثم أراد أن يكون لنجاحه هذا , بيانُ يجدُ حلاوته في إجابة تلامذ ته واحداً تلو
الآخر عن مسائل الدرس فلم يُجب ........أحد ؟؟؟!!!!
هذا وما الفضل إلا من الرحمن
بقلم.........ياسر ميمو