رأيتُ رجالاً يضربون نساءَهم
عن الهيثم بنِ عدي الطّائي عن الشّعبي قال لقيَني شُريح فقال لي : يا شعبي عليكَ بنساء بني تميم فإني رأيتُ لهن عقولاً . فقلتُ : وما رأيت من عقولهن ؟ قال : أقبلت من جنازة ظهرًا فمررت بِدُورِهِنَّ وإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جانبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري فعدلت إليها واستسقيتُ وما بي عطش فقالت لي أيّ الشراب أحبّ إليك ؟ قلتُ : ما تيسّر . قالت : ويحكِ يا جارية ائتيه بلبن فإني أظنّ الرّجلَ غريبا ، فقلت للعجوز : ومن تكون هذه الجارية منكِ ؟ قالت : هي زينب بنت جرير إحدى نساء بني حنظلة ، قلت : هي فارغة أم مشغولة ؟ قالت : بل فارغة ، قلتُ : أتزوجينيها قالت إن كنت كفأً ( ولم تقل كفوًا) :
وهي لغة بني تميم فتركتها ومضيت إلى منزلي لأقيلَ فيه فامتنعت منّي القائلةُ فلمّا صلّيت الظهرَ أخذت بيد ِإخواني من العرب الأشراف ، علقمة والأسود والمسيّب ، ومضيت أريد عمّها فاستقبلنا وقال ما شأنُك أبا أميّةَ ؟ قلتُ : زينب ابنة أخيك . قال : ما بها عنك رغبة فَََّزوّجَنِيهَا ..فلما صَارت في حبالي ندمت وقلت : أي شيء صنعت بنساء بني تميم ؟ وذكرت غلظ قلوبهن فقلت : أطلّقها ثم قلت لا ولكن أدخل بها فإن رأيت ما أحبّ وإلا كان ذلك . فلو شهدتني يا شعبي وقد أقبلت نساؤها بهدينها حتى أدخلت عليّ . فقلتُ : إن من السّنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقومَ ويصلي ركعتين ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها فتوضأت ، فإذا هي تتوضأ بوضوئي وصلّيت فإذا هي تصلي بصلاتي ، فلمّا قضيتُ صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسني ملحفة قد صبغت بالزعفران فلما خلا البيتُ دنوتُ منها فمددت يدي إلى ناصيتها فقالت : على رِسْلِك أبا أميةَ ثم قالت : الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله أما بعد : فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبيّن لي ما تحب فآتيه وما تكره فأجتنبه فإنه قد كان لك منكح في قومك ولي في قومي مثل ذلك ولكن إذا قضى الله أمرا كان مفعولا ، وقد ملكت ، فاصنع ما أمرك الله تعالى به إما إمساك بمعروف أو تسريح باحسان أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولك ولجميع المسلمين . قال : فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع فقلت : الحمد لله أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله أما بعد : فإنك قلتِ كلاما إن ثبتِ عليه يكن ذلك حظًّا لي وإن تدعيه يكن حجةً عليكِ أحبّ كذا وأكره كذا وما رأيتِ من حسنة فابثثيها وما رأيتِ من سيئة فاستريها . فقالت : كيف محبّتك لزيارة الأهل ؟ قلت : ما أحبّ أن يملني أصهاري . قالت : فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذن له ومن تكرهه أكرهه ؟ قلت : بنو فلان قوم صالحون وبنو فلان قوم سوء . قال : فبتُّ معها يا شعبي بأنعم ليلة ومكثَتْ معي حولاً لا أرى منها إلا ما أحبّ فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء وإذا أنا بعجوز في الدار تأمر وتنهى . قلت : من هذه ؟ قالوا فلانة أم حليلتك . قلتُ : مرحبا وأهلا وسهلا ، فلما جلست أقبلت العجوزُ فقالت : السلام عليك يا أبا أميةَ . فقلت : وعليك السلام ومرحبا بك وأهلا ، قالت : كيف رأيت زوجتَك ؟ قلت : خيرَ زوجة وأوفقَ قرينة لقد أدّبْتِ فأحسنتِ الأدبَ وريّضتِ فأحسنتِ الرّياضة فجزاكِ الله خيرا . فقالت أبا أمية إن المرأة لا يرى أسوأ حالا منها في حالتين . قلت : وما هما ؟ قالت إذا ولدت غلاما أو حظيت عند زوجها ، فإن رابك مريب فعليك بالسّوط فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشر من الرّوعاء المدللة . فقلت : والله لقد أدبت فأحسنت الأدب وريضت فأحسنت الرياضة . قالت : كيف تحبّ أن يزورَك أصهارُك ؟ قلت : ما شاءوا .فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية فمكثت معي يا شعبي عشرينَ سنة لم أعب عليها شيئا وكان لي جار من كندة يفزع امرأته ويضربها فقلت في ذلك :
رأيتُ رجالاً يضربون نساءَهم ... فَشُلّت يميني يــومَ تُضْرَبُ زينبُ
أأضربها من غير ذنب أتت به ... فما العدل مني ضرب من ليس يذنبُ
فزينب شمس والنساء كواكب ... إذا طلعت لم يبدُ منهــن كوكبُ
المستطرف ص 516 . 517