تقوم نظرية الحقول الدلالية ( semantic fields =les champs semantiques) أو المعجمية( lexical fields=les champs lexicaux ) - التي ظهرت في العشرينات من القرن الماضي ـــ على فكرة أن هناك مفاهيم عامة تؤلف بين المفردات داخل اللغة ، و أن المعاني لا توجد منعزلة في الذهن بل لابد لفهمها من ربط كل معنى منها بمعنى آخر : فلفظ "حار " مثلا لا يفهم إلا بالنسبة إلى " بارد " ، وكلمة " امرأة " لا يمكن أن نفهم مدلولها إلا بالنسبة لكلمة " رجل " ... و هكذا . فمدلول الكلمة هو حصيلة علاقاتها بالكلمات الأخرى داخل الحقل الدلالي.
والحقل الدلالي عبارة عن لائحة من المفردات أو الوحدات المعجمية التي توحِّد بينها ملامح دلالية مشتركة و بالتالي يمكن أن تصنَّف في مجال عام يجمع بينها ، فكلمات : أم ، أب ، عم ، عمة ، خال ، خالة ، أخ ، أخت ، ... وغيرها مثلا تندرج ضمن مفهوم عام أو مجال واحد هو حقل القرابة .. ومعنى هذا أن معاني هذه الألفاظ لا تتحدد بشكل دقيق إلا بدراسة اللفظ في إطار مجموعة واحدة ، فلا معنى للكلمة بمفردها و إنما تكتسب معناها من خلال علاقتهابالكلمات الأخرى .
ولعل من مزايا هذه النظرية ( نظرية الحقول الدلالية ) أنها تُستثمر عند تأليف المعاجم الثنائية اللغة ، فتُعين على البحث عن مرادف الكلمة أو ضدها ، كما أن استخدام هذه النظرية يسهم في تصنيف المدلولات في العملية التربوية لتقريب الدلالات إلى ذهن الأطفال .
وقد فطن اللغويون العرب القدماء منذ القرن الثاني الهجري إلى فكرة الحقول الدلالية وسبقوا بها الأوربيين بعدة قرون ــــ وإن لم يطلقوا عليها المصطلح نفسه أي الحقول الدلالية ـــ وذلك من خلال تصنيفهم لمجموعة من الرسائل الدلالية المتنوعة التي اقتصرت على مجال دلالي واحد : كرسائل خلق الإنسان ، و رسائل الخيل ، والإبل و الغنم ، و الوحوش ، و الطير ، و الحشرات ، و النبات ، و الشجر ، و المطر .
و لن يتسع المجال هنا لذكرها كلها نظرا لكثرتها و لاتساع التأليف فيها ، لذلك سنقتصر على ذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر :
1 ـــ رسائل خلق الإنسان : لأبي عبيدة معمر بن المثنى ، و الأصمعي ، و أبي علي القالي ، و ابن فارس ، و الصغاني . وقد دونوا فيها أسماء أحوال الإنسان المختلفة من الناحية العضوية ووسعوا دائرة بحثهم لتشمل النواحي الأخلاقية و الاجتماعية أيضا .
2ـــ رسائل الخيل : للنضر بن شميل و أبي عمرو الشيباني و قطـــــــــــرب ، و أبي إســـــــــــــحاق الزجاج ، حيث قسموا رسائلهم تقسيما موضوعيا فخصصوا بابا لأسماء أعضاء الخيل ، و بابا لما يستحب فيها ، وآخر لما يكره فيها ، وبابا لأوصافها و أسمائها ...إلخ
ــــ رسائل النبات : و تشمل الأشجار و الزروع و البقول و الحبوب . و ألف فيها كل من الأصمعي و أبي عبيدة .... إلى غيرها من الرسائل التي تعتبر بحق النواة الأولى لمعاجم المعاني أو معاجم الموضوعات التي ظهرت في التراث العربي بمئات السنين قبل الحضارة الأوربية .
ويمثل معجم " المخصص " لابن سيده الأندلسي ، أضخمَها على الإطلاق و أكملَ صورة لفكرة الحقل الدلالي في التراث العربي .
إن هذه الأمثلة تبين أن اللغويين العرب أول من خاض غمار معاجم الموضوعات القائمة على مفهوم الحقول الدلالية فوضعوا لها رسائلهم المستقلة ، و بذلك سبقوا علم اللغة الحديث في التنبه إلى هذه النظرية ، و التأليف فيها .