ماذا تفعل إذا أمضيت عدة أيام وأنت مطرق متأمل، ولك جفن مؤرق، وفكر متقد، وجنبك يجافي الكرى، وعينك تهجر الوسن إلى أن انتهيت من كتابة دراسة فريدة في غاية الإبداع وقمة الإتقان أو مقالة كالشمس وضحاها.
ولكن فجأة وبينما كنت تقلب صفحات الشابكة العنكبوتية (الإنترنت).. وجدت أن أحدهم قد سرق تلك الدراسة، ونسبها نسبًا غير شرعي إلى نفسه، وليته سرقها خلسة، وهو يمشي على استحياء كما هي عادة اللصوص بل سرقها جهارًا نهارًا معلنا للملأ أنه السارق، حيث لصق اسمه بجانب تلك الدراسة، وقام بمسح اسمك.
ثم إن ذلك اللص شعر بالإعياء والتعب بعد أن بذل ذلك الجهد الجهيد في النسخ واللصق.. فما كان منه إلا أن رسم بسمة رضًا صفراء على شفتيه وأقنع نفسه بأنه حقًا هو صاحب تلك الدراسة الإبداعية.. ومن ثم أسلم جفونه للنوم، وذهب في سبات عميق.. بعد طول سهر، ومعاناة سهد، وتمحيص وتدقيق..؟!
وماذا تفعل- أيها الشاعر المبدع- إذا سكبت أحاسيسك ومشاعرك في بحور الشعر المفعمة بالحب، ومزجت عواطفك الحرى بدماء دموعك، ومداد يراعك، ثم غرست فسائل إبداعك في ضميرك ووحي قلمك فنبتت في بستان فكرك قصيدة مفعمة بالوجدان، تبهر الألباب، وتطرب الأفئدة، وتوقظ الوسنان، وتشنف الآذان؛ وبينما كنت تقلب صفحات الإنترنت وجدت أيضًا أن أحدهم قد قام بسرقة تلك القصيدة منك، سرقها بكل ما تحويه من عواطفك وأحاسيسك، ونسب القصيدة نسبًا غير شرعي إلى نفسه، ولم يرع حرمة لعرض الشعر، وشرف بنات الأفكار، ولم يخف جرائمه الشنيعة تلك، بل وضع اسمه في نهاية القصيدة، ونسي أو تناسى أن الإنسان إذا بلي بارتكاب المعاصي فعليه أن يستتر!
لاريب- أيها المفكر والأديب والشاعر- أنك ستشعر بالغضب، بل تكاد تميز من الغيظ، وقد تهمس في سر نفسك وتناجي طيف فكرك:
رحم الله لصوص تلك الأيام، وما أشد حياء لصوص الأموال، وسارقي النفائس! حيث كانوا يتخفون ويسرقون ووجوههم مصفرة، وفرائصهم ترتعد، وأياديهم ترتجف خوفًا وقلقًا، فأحدهم عندما يسرق مالًا أو ذهبا أو كنزًا يحاول جاهدًا أن لا يترك أي أثر يدل على فعلته الشنيعة تلك، وما رأينا سارقًا وضع قصاصة ورقية بعد عملية السرقة ووضح فيها اسمه، ونسب السرقة إليه.
هذا مع أننا نعلم أن السرقة سرقة وأن اللص لص سواء أكانت الأشياء المسروقة مالا أم فكرًا أم أي شيء آخر.. بل إن سرقة الفكر تكون أشد خطرًا من سرقة المال، لأن المال قد يحصل عليه أي شخص، فهو في متناول الجميع.. أما الإبداع السامي، والفكر المتألق، والعاطفة المشبوبة بلوعة كاتبها لتخرج قصيدة كحديقة ذات بهجة والمقال المتجدد والدراسة الجادة الفريدة فهذه الأشياء لا يستطيع أي شخص أن يحصل عليها لذلك هي أشياء خاصة بالمبدعين والمفكرين، وليست مشاعًا يرتع فيه كل من يريد ولا شرابًا سائغًا لكل الشاربين.
فباب السرقة في الإنترنت مفتوح لكل من لا خوف من الله يحجبه، ولا ضمير يردعه، لأن الشابكة العنكبوتية مرتع خصب للأدعياء وهي في الوقت ذاته مستنقع آسن لكل من يعب منه ويرد لجاجه من لصوص الفكر، وسارقي المواهب وقطاع طريق النتاج الأدبي والثقافي والفكري، ففي الإنترنت يكتب من شاء ما شاء ويسرق من يريد لكل من يريد، أما في المجلات العلمية والصحف والكتب فقد نجد في حالات نادرة أن أحدهم قام بسرقة قصيدة أو رواية أو مقالة ونشرها في تلك الصحيفة أو المجلة أو الكتاب، لكن حتى وإن نشرها فإنه سرعان ما يفتضح أمره، ويرد عليه الكثيرون من أنصار رد الحقوق إلى أصحابها، وخاصة إذا كانت القصيدة مشهورة، وكان السارق- بالإضافة إلى سرقته- مغفلًا، ويظن أن لا أحد يعلم من هو صاحب القصيدة ومبدعها.
وعلى كل الأحوال ليست النائحة كالثكلى، والخليقة التي تكسو صاحبها مهما حاول أن يخفيها فلابد أن تظهر يومًا ما للملأ..
وعلى المنتحل والسارق أن يعلم علم اليقين أن كل قصيدة أو مقالة أو دراسة ترث بالفطرة لغة وعواطف وفكر وأحاسيس وأسلوب كاتبها، فالمتمرسون بالنقد الأدبي والتذوق الفطري للنصوص يعرفون من النظرة الأولى كاتب النتاج الأدبي، وذلك قبل قراءة اسمه لأن لكل كاتب وشاعر في كتاباته سمات وخصائص وسم بها وميزات تميزه عن غيره من الكتاب والأدباء والشعراء، اللهم إلا من بدأ بكتابته مقلدًا للآخرين، وتقمص أساليبهم فإن الأمر قد يلتبس أحيانًا على من لا خبرة عنده.. وكذلك قد يلتبس الأمر إذا كان الكاتب في بدايات كتاباته، ولم يقرأ له الناس إلا قليلًا..
أظن أن الرسالة والنصيحة قد وصلت.. وإن كانت تساورني بعض الشكوك في خلو المستقبل ممن سيقوم بسرقة هذه المقالة، ويمحو اسمي ويلصق اسمه!
مجلة الوعي الإسلامي العدد الأخير رقم 564 / كاتب المقال / باحث سوري : مصطفى عبّاس