مفهوم أسلمة المعرفة:
خليل حلاوجي
في رسالته "إسلاميَّة المعرفة: المبادئ وخُطَّة العمل" أرجع الشهيد إسماعيل الفاروقي السبب في تَخلُّفَ المسلمين إلى عامِلَيْن: الازدواجيَّة التعليميَّة، المتمثِّلة في الانقسام بين اتِّجاهَيْن؛ الإسلامي والعلماني من جهة، وانعدام الرُّؤية الواضحة لتوجيه الفعل الإسلامي في الاتِّجاه الصحيح من جهةٍ أخرى"(1).ثم قرر مشروعه بالتَّكامُلَ المعرفي وامتزاج التُّراث الإسلاميِّ مع الفكر الغَرْبِيِّ راصْداً مَجموعةٍ من الشروط لِخَلق منهجٍ يوجِّه العلوم برؤية إسلاميَّة وطَرْح النَّتائج العِلْميَّة الحديثة بِصِيَغ متكاملة مع الدِّين وفق معايير علميَّة . فإسلاميَّة المعرفة تلتزم بِما هو مِن جوهر الإسلام من جهة وتتفادى زلاَّت النظريَّاتٍ والمبادئِ الكُلِّية للغرب في نظريَّة الوجود.
وعند التحقيق سنجد أن المراد بهذا المصطلح إدخال المنهج العلمي الغربي للمعرفة الشرعية الإسلامية وفي الوقت ذاته تَحْويل الفكر عندنا من منهجٍ تقليدي يتبع القواعد المنهجية في طلب العلم الشرعي إلى منهجٍ قائم على الإقرار بالقواعد التي ظهرت في الغرب كحل وسط يحتكم فيه لصراع ثنائية ( الأصالة والمعاصرة )
ولاتعني الأسلمة سوى اضفاء الروح الشرعية من حيث تصور الوحي والإيمان وهما ممتنعان عن البرهان العلمي وفق الرؤية الغربية ، وهو مصطلح اشكالي عند من يستهلك هذا المصطلح من القائلين بـ"أسلمة أوربا" أو "أسلمة العقل". تشبه إلى حد بعيد إشكالية طرح ( علي شريعتي ) ومصطلحه : البروستانتية الإسلامية.
إن حياكةَ مصطلح ما لايستقيم من خلال نسج التراكيب اللفظية بإضافة (إسلامي).. كـ"أسلمة العلوم"، و"أسلمة المعرفة"، بدليل أن التنظير لــ "أسلمة الطِّب" لايجعل علم الطب متواكباً مع الفضاء الشرعي في الإسلام من حيث أن قراءة القرآن هي أهم مصادر الطمأنينة والشفاء عند المتيقن بسماوية القرآن المجيد ، وهكذا فلن يسع علم الطب التخلي عن منهاجه البرهاني والتخلي عن المستشفيات وباقي أدوات المعرفة المتجددة.. وهنا سيصطدم المصطلح بالواقع كون إسلامية المعرفة لاتقف بمواجهةنصرانية المعرفة . وقد أخطأ من أراد جعل العلوم: "إسلاميَّة"، بالاشتقاق اللفظي المحض فالعلم هو العلم، والحقائق هيَ الحقائق ، وأيضاً فإن العلم الشرعي يرفض الدَّخَل التي لا ترتكز على مطالب اليقين بظاهرة الوحي.
أما حين نفهم (أسلمة المعرفة ) عند العالِمُ المسلِمُ وهو يقُدِّمَ العلوم والمعارف الإنسانية سواء الغربية الحالية أو الإسلامية التراثية ويقدمها وفق قبولها إسلاميَّاً كالطبيب المسلم الذي يجري جراحة لمرضاه بالمنتج الغربي ثم يوكل أمر الشفاء لله تعالى وقدرته الأزلية .. عندها نقر مع هذا الطبيب بإسلامية المعرفة!.
وعند تدبر القرآن الكريم سنلحظ منهجية دقيقة في قبول بل وتقريب معارِفَ من سبقنا كمعيار استدلالي للرؤية القرآنية لإقامة وَحْدةٍ لِمَعارف الوحي مع معارف البشر من حولنا والقرآن يحفزنا لاعتمادِ أسلوبَ التَّصديق لأعراف وشرائع من قبلنا ولكن دون الْهَيمنة ، فالكلام الفصل في النهاية ستكون لكلام الله ورسوله ، وهكذا يدعونا بأن نتُوافِقَ مع كلَّ معرفةٍ بشرط أنها تكون معرفة محصنة من التحريف و الانتحال على الله .
ويشير القرآن إلى خطورة التقديرَ التمحيصي من دون دليل واقعي قال تعالى ( قل هاتوا برهانكم ) كي يتميَّز السليم من المعارف من الْمُنحرف، في صورة نقدية شاملةٍ لكل ماهو معروض من المتون العلمية وتبعاً لذلك كل ذلك تحت لافتة الميراث الإنساني لتستمر عملية النقدَ والتَحليلَ للوصول للبرهان المتجدد وهو مانراه في الغرب فما أن تظهر نظرية ما حتى تلحقها نظرية أخرى تعارضها وقد تنسفها لتحل محلها كون المعرفة انفجارية .
________________________________________
(1) لؤي صافي: "إسلامية المعرفة؛ من المبادئ المعرفيَّة إلى الطرائق الإجرائيَّة" مجلَّة إسلاميَّة المعرفة، العدد 3، 1996، ص 11.