" و لم يكن الإسلام في حقيقته إلّا إبداعا للصّيغة العمليّة الّتي تنتظم الإنسانيّة فيها، و لهذا كانت آدابُهُ كلّها حرّاسا على القلب المؤمن، كأنّها ملائكةٌ من المعاني، و كان الإسلامُ بها عملا إصلاحيّا وقع به التّطوّر في عالم الغريزة، فنقلهُ إلى عالم الخلق، ثمّ ارتقى بالخلق إلى الحقّ، ثمّ سما بالحقّ إلى الخير العام، فهو سموّلإ فوق الحياة بثلاث طبقات، و تدرّجٌ إلى الكمال في ثلاث منازل، و ابتعادٌ عن الأوهام بمسافة ثلاث حقائق" ( مصطفى صادق الرّافعي، وحي القلم ج 2)
لم يكن الإسلام إلّا قاموسا متجدّدا من معاني إسلام النّفس طائعةً و إخلاصِها، فتجدها تبحثُ مليّا عمّا يتمّم لها معاني الإسلام في طبيعته، لا في اسمه، و تجدها و إن أذنبت تعود، محمّلةً بشوق العظام قبل شوق القلوب، لأنّ الحبّ فيها يسترسل في الخلايا، يؤسّس كيانه في أصلبها و أقواها، ثمّ يتدفّق عبر الحنايا لتحمي القلب، وهل هناك حامٍ للقلب خيرٌ من حبّ النّقاء و إسلام النّفس لخالقها؟!، فكان أن سمت الحنايا بقلبها، تحرسُه من كلّ شر،و إن تسرّب إليه عبر الثنايا ما ران عليه،تعودُ لتُحْكِمَ عليه إرادتها برضاه، فهي لا تحكم تخويفا، و لا تزعُ بسلطان، إنّما تسيّرُهُ خجلا من المحبوب، إقرارا بالهوى له، و اللّجوء فقط و فقط إليه حين لا ملجأ إلّاه، فما أجمل بصيص الأمل المختبئ بين الضّلوع حين يشعّ كلّ محنةٍ لينجب منحة، و يتداخل مع النّبض ليُقِرّ بأنّ الرّوح منقادةٌ طوعا، بعيدا عن هوى الجسد و النّفس الضّعيفين، سمت خُلُقا و إقرارا بحقّ الرّوح في العيش ذليلةً " للأعلى"، و أنعم به من عيش!
سمت الرّوح لهوىً غير الهوى، و عُلاً غير العُلا، فكانت دليلا للسّكينة و الرّضى، إشارة مرورٍ على دربٍ تسلُكُه النّفس في اليومِ خمس مرّات، يُنكّرها لها الشّيطان في كلّ مرّة، لتستدلّ عليها بخيط المحبّة الأولى فـ " ما الحبُّ إلّا للحبيب الأوّلِ"، و ما الحبُّ إلّا خُلُقٌ و حقٌّ و خيرٌ عامٌّ يا رافعيّ، ما الحبُّ إلّا النّور ساعة العتم، لتصيح النّفس في كلّ مرّةٍ: " كأنّها هي"، دليلي لرضاي عمّا أعطانيهِ ربّي... فهل ربّي راضٍ عنّي... هل؟؟؟؟!!
الرّوح العطشى
24-8-2012