ذِكْـــرَى آثِمَةٌ
صوتٌ تردَّد في أعماقه كصوتِ قطراتِ الماء حينما تسقط مكوَّنة دوائر كدوائر ذكرياته التي توشَّحَت الآثام .
غض معظمَ بصرهِ وأطلق القليل منه إلى أقصى نقطــة ، سائحٌ نظره في ألقِ الماضي البعيــد , خرجت أصابع ذكرياته كدخانٍ لتشكِّل لوحــة باهتة ,بيوت طينية متفرقة ، ومزارع شاسعة تزدانُ بأعناق النخيل وهاماتها المرفوعة بكبرياء , رائحةُ الطين الندي يعبق في المكان ، وأطفال حول البئر يتراشقون بالماء ويرتشفونه من الدلو
عداه هو ..
بنى قلعة صغيرة من الطين ثم قام ونفض ذرَّات الغبار عن ,يديه وركض نحوها يُعانقها بشغف ..
فينتشي من رائحة عطرها العتيق
،،
يلمسُ الدفء بين أحضانها
يتدَثَّرُ بشعرها الكثيف من شتاء قارس
ويحتمي بفيئها من لفحة الهجير
و .. هي ،
تُداعبُ وجنتيه بينما يلهو في حِجْرِها ويهزُّها بكفيه الصغيرتين
طفلٌ مدلَّلٌ ..
تنساب دموعه إن هي أشاحت بوجهها عنه
فيركلها بقدميه الضعيفتين ويقذفها بالحجارة
فتُكْرمه وتُلقمه الرطب المنهمر..
اتخذ حبها كوسادة ليبعثر أحلامه .. آماله .. طموحاته .. آلامه حولها .
اشتدَّ عوده وأصبح فتى همامًا..
ثم رحل بعد أن لثم جبينها وقد عَلِقَت بعض خصلات شعرها المتساقطة في كَمِّه .
وتجــري السنون
.
.
.
وتتصارعُ الأيــام ..
هاهو عاد بعد غيابٍ طويل ..
قد سَخَمَ وجهه ، يمشي مُتَخَبِّطًا كمن يتخبطه الشيطانُ من المسِّ
اقترب منها فانحنت لتضمَّه بشوق لكنه دفعها وصوته يحتدُّ :
" ذَبُلْتِ أيتُها النخْلَةُ الهَرِمَة.. ألم يَحِنْ موتُكِ بَعْد ؟"
رقَّ صوتُها قائلة : " ماكلُّ انْحِنَاءٍ معناهُ الذبولُ ياصغيري"
استطالت شفتيه بابتسامة شيطانية وهو يُمسِكُ بيده فأسٌ ليجْتَثَّ النخلة ، ويده الأخرى تُحْضُنُ وردة قانية يانعة تضحكُ بغنجٍ
بينما يُتمتم : " رعايتكِ عائقٌ في طريقي "
طاحت النخــلة ، وعينيها الحانيتين تُعانقُ حدقتيه ..
لفظت بصوتٍ واهنٍ : "أشكرُ لكَ لُطْفَكَ ياحبيبي ،أهذا جزاءُ المعروف..! "
قَفَلَ راجِعًا ، والسارياتُ تدمع مُبلِّلة جذعها الطــاهر .
.
.
.
.
.
/
،
بَقِيَ أَنْ أُشير ..
( الرجلُ السبعيني يقبعُ الآن في وحْدَتِه المريرة
منبــوذ ..
ووردتُه تُوخِزَهُ بشوكها وتعبثُ بغرور)
كما تدين تُدان .
بقلم / براءة الجودي
لاأعلم هل هذه من فئة القصة أم اقرب غلى الخاطرة انتظر رايكم