نحن لانقرأ الكتاب ... بل هو من يقرأنا ... أي أن عمر القارئ وذوقه ومستواه الثقافي ومراده وغرضه هي عوامل تحدد وترصد وتؤشر : قرار القراءة ... فلايمكن لقارئ عمره عشر سنوات أن يقرأ عن كيمياء الفلك أو عن المعري أو انيشتاين ..ولايمكن لطبيب أن يكتفي بقراءة الكتب الطبية أو لشاعر أن يكتفي بقراءة كتب الأدب ..ولايمكن أن نساوي بين طالب يريد من القراءة ( شرط النجاح ) وطالب يريد أن يفهم نفسه ويفهم الكون من حوله ويعرف بالتالي سر وغاية وجوده ، فبعض طلبتنا يذهب للمدرسة كي ينجح وبعضهم يذهب كي يفهم ...الكتاب لايعد نافعاً إلا إذا شعر القارئ أنه خرج – بعد القراءة – بروحية وبعقلية تختلف عن حالته قبل أن يقرأ ذاك الكتاب .. فنحن لانقرأ مانحتاجه ... بل ماهو متاح أمامنا ... وذلك لسبب بسيط هو : أننا لم نقرأ أنفسنا ، ورغم توفير إمكانات القراءة فهي اليوم بمتناول الجميع بالمقارنة مع أجدادنا في عصر ماقبل الإسلام حين كان زهير بن أبي سلمى يقرأ شعر أوس بن حجر ، وحين الحطيئة يروي أشعار زهير !!! في أجمل صور التلاقح الفكري.
ونحن اليوم نشتري كتاباً ، ثم نبدأ بفعل – القراءة – وسرعان ما ننتهي .. فلاتحصل تلك الوشيجة في العلاقة بين [ عقلنا وقلبنا ] و [ الكتاب ] فنتركه فوق الرف ونباشر في إكمال المسير لحياتنا التقليدية .. بل كتاب ...فلا يتدخل الكتاب في صناعة مصيرنا ..ورسم أحلامنا ، وستقولون : هناك كتاب غيــــّـرت مجرى التاريخ ! فأقول : نعم . كثيرة هي الكتب التي ساهمت في صناعة الوعي الحضاري.ولا يكمن السر في الكتاب !! بل في القارئ ذاته ، حين نعثر على قارئ يعرف : غاية القراءة ..حيث التصور يبدو أن القراءة هي الثقافة .. ويتناسى البعض الفرق الشاسع بين [ المعرفة ] و [ المعتقد ] حين يعرض الكتاب حقائقاً يعرفها القارئ فإن الكتاب والحال هذه يصيبه – أي القارئ بمرض [ التكرار والاجترار ] ، وحين يضعنا الكتاب في مواجهة مع المُسـَـلمات التي نتنبناها ويساعدنا على تمحيص حقائقنا يكون مثل هذا الكتاب نافعاً ..
الثقافة لا تعني كثرة القراءة للكتب .. بل هناك فرق بين قراءة الكلام وهضم مغزاه ومعرفة المقصد – أو المقاصد – ذلك الكلام .. فالثقافة هي التي تجعلنا نغير من طريقة تفكيرنا ونحن نتأمل أنفسنا والكون ونتأمل سر وجودنا فوق الأرض !! الثقافة تنقذنا من رؤية الأشياء بأكبر أو أصغر من حجمها الحقيقي .. هنالك كتب مفخخة تشوه – وقد تقتل - الوعي الإنساني .. وهناك كتب تشوش ذلك المعنى وهناك كتب ترسخ وتوضح وترشد وتشير وتهدي لذلك المعنى.
ولكي تصل إلى الكتاب الذي سيغير خارطة حياتك .. لابد أن تبدأ بشكل سليم أنصح أصدقائي وطلبتي في ثانوية الأوائل بالبدء مع كتاب [ البوصلة القرآنية لأحمد خيري العمري] أو كتاب [ مهزلة العقل البشري لعلي الوردي ] أو كتاب [ قصة الإيمان لنديم الجسر] أو كتاب[ تكوين المفكر لعبد الكريم بكار]
وبعدها سنكمل حديثنا عن أن :
الثقافة لا تعني كثرة القراءة للكتب