[SIZE="5"]الحلاّق السياسي
دخل رجل صالون الحلاقة، يبدو عليه مظهر الثراء، همس الحلّاق لنفسه " زبون دسم" ثم قال : تفضل يا سيدي، وأشار إلى كرسي الحلاقة. جلس الرجل عليه وأشار بيده إلى رأسه وذقنه وهو صامت، قال الحلاق: نعم، نعم فهمت، تريد حلاقة الرأس والذقن ثم همس لنفسه " إنه يحب الصمت، ليس ثرثاراً كبعض الزبائن.
بلّل شعر الرجل بالماء وبدأ مقصه يتراقص في شعره، همس أيضاً لنفسه " يا سلام هذا الرجل مهذب، تُرى هل هو تاجر، مسؤول أم ..... ؟ بل أظنّه مسؤولاً في الحكومة، له هيبة ووقار، صمته هذا أرهبني لكن لابد أن أكسر حاجز صمته هذا واجعله يتحدث معي، سأظهر له أننا نحن البُسطاء نفهم في السياسة مثلهم" : يا صاحب السعادة كان الله في عونكم، إنكم تبذلون جهداً كبيرا لمصلحة هذا الوطن .
ينظر الرجل إلى شفتي الحلاق ويبتسم، فرح الحلاق حدّث نفسه " نعم، إنه رجل سياسة، هم لا يضحكون مثلنا نحن البسطاء، فقط يبتسمون بلطف،أناس مهذبون، لكن لابد أن يعرف أنني أفهم في السياسة، وأخبار المجتمع فزبائني من كل أطياف المجتمع " : يا صاحب السعادة ألا ترون أن من واجبنا أن نحمي شواطئنا البحرية بأنفسنا دون السماح للغير بالقيام بذلك؟ فكل دول العالم تحمي سواحلها بنفسها، وكيف يرهبوننا بضعة قراصنة ؟!! يجب أن نلقنهم درساً، حتى لا يتعرضون لسُفننا أو يقتربون من شواطئنا. يجب أن نريهم قواتنا، نعم يجب علينا هذا.
ينظر الحلاق من خلال المرآة إلى وجه الرجل فيراه يبتسم ويهز رأسه أيضاً .همس الحلاق لنفسه " لقد أعجبه حديثي " تجرأ وقال : آه، آه.... قراصنة يغيرون علينا ماذا لو كانت دولة قوية. لا، لا... هذا يجب أن لا نسمح به قط .
دفع بأصبعه رأس الرجل قليلا إلى جهة اليمين وقال وهو يلاعب مقصه طق ،طق.... ويسرح في شعر الرجُل : وهناك مشكلة أخرى، المهربون يا سيدي، هؤلاء دمّرونا، يدخلون إلينا الأشياء الفاسدة ،المزورة ولا أحدٌ يوقفهم عن عبثهم بنا . دفع رأس الرجل بإصبعه إلى الأمام ونظر إلى وجهه عبر المرآة.
ـــ ألا ترى أنني مُحق، أرجو أن تغفر لي إن كنت أخطأت، فنحن يا سيدي بُسطاء لا نفهم طُرق السياسة مثلكم و.... .
رآه مبتسماً أيضاً، همس لنفسه " يا سلام لقد أعجبه هذا الحديث أيضاً " ثم أضاف : الفساااااااد، يا سيدي ماذا عملتم من أجله، كان الله في عونكم عليه.
صمت الحلاق قليلاً ثم قال: يقال إن حكومتكم، حليفة التجار، هذا يا سيدي ما يقولونهُ في الشارع، لَستُ أنا الذي أقوله، والله يا صاحب السعادة أهلكنا الغلاء، فهو سبب الفساد وجذوره، أرجوك باسم البؤساء أمثالي أن توصل رجاءنا هذا إلى الحكومة حتى يرأف بنا التجار.
نظر الحلاق إلى المرآة فلاحظ الرجل، يبتسم ويهز رأسه بما يدل على الموافقة. همس الحلاق لنفسه والسرور يملأُ قلبه " يا سلام لقد وافق على طلبي، سأحدّث زملائي أنني استطعت أن أقنع أحد المسؤولين أن يعمل شيئاً من أجل الشعب"
بدأ الحلاق يُخضّب ذقنه بالصابون، وهو يقول: سوف أحلق لك حلاقة ناعمة كالحرير، صمت قليلاً ثم قال: لو أخلصنا يا سيدي لوطننا كالغير، ما كانت البلاد وصلت إلى هذه الحالة، يجب عليكم يا سيدي أن تختاروا أناساً شرفاء، أمناء على ثرواتنا، وأن تحاسبوا الفاسدين ومن يعوق الاستثمار في البلاد، حتى لا يورث الفسادُ فساداً آخراً .
أجرى الموس في خده الشمال وهو يتحدث، ثم أجراه في خده الأيمن وهو يتحدث، وفي آخر لحظة من حلاقة الذقن، شعر الرجل بوخزة الموس، والحلاق يقول يجب عليكم و...و...و ....غضب الرجل، وبان ذلك على وجهه المُكفهر. شاهد الحلاق ذلك الغضب، فخاف وارتعش جسده
ـــ ماذا يا سيدي أأغضبكم كلامي؟!! أنا ،أنا .... لا ، لا أعني ذلك .... لا تآخذني بحديثي يا سيدي، أرجوك اغفر لي... وبكى متوسلاً أمامه، قائلاً: نحن البؤساء نثرثر كثيراً، نظهر ما نبطن، ليس مثلكم يا سيدي، سوف أحلق لك مجّانا ما حييت، سامحني أرجوك، أرجوك.... وجثى عند ركبتي الرجل.
قام الرجل مُندهشاً من بُكاء الحلاق، يُحرّك يديه في الهواء مستغرباً وخرج دون أن يدفع للحلاق شيئاً وتوارى عن الأنظار.
أطرق الحلاق برأسه أرضاً وهو يقول : والله لَستُ أدري أحلقتُ لأخرسٍ،أصمٍ؟!!أم هكذا هُم المسؤولون....
[/SIZE]