أُطبقَ عليهما باب المصعد الكهربائي ..أول نظرةٍ منه على المرآة المثبّتة على جدار حجرة المصعد أظهرت له عجوزاً طاعنةً في السنّ ..طأْطأَ ظهرها لما حملته من أوزار العمر فشقّ عليها أن ترنو برأسها لفوْق..كان شعرها الكثّ الأبيض نافراً من رأسها في كلّ اتجاه وقد تدلّى ما بقيَ من حاجبيها ليحاصرَ عينين ضيقتين ..هزّ رأسهُ يرثي لحالها محدّثاً نفسه كيف لمثلِ هذه الثمانينيّةِ ان يُسلِمهَا ذووها هكذا لوحدِها ..! أحسّ بنظراتها منْ حوله..إنتبه إليها فإذا بها تزْدريهِ بأعينها ..إختلسَ نظْرةً خاطفةً على المرآة ليتأكد أن ليس ثمّةَ خللٍ في هندامه يبعثها على الضيق،وعندما استجمعَ ثقةً بنفسهِ نظر إليها فعاجلَتْهُ بصوتٍ حادّ:"عاجبك اللي بيصير في الدنيا..؟"..تفاجأَ بسؤالِها فردّ بارتباك : " وين بالضبط يا حاجّة ؟" ..قالت له وقد ازداد ضيقُ عينيها حتّى بدتا فوّهتين تطلقان نظراتٍ ترميهِ بالجهل : "ليش ما عرفت اللي صار بين انجلترا و فرنسا ؟؟" ازدادَ ارتباكُهُ وأحسّ بالخجلِ يحاصرهُ ..إختلسَ نظرةً أُخرى على المرآة ليرى شحوب و جهه يظلّل المشهد ..ما كانت الاّ ثوانٍ حتّى فُتحَ باب المصعدِ على وُجهتهِ بالدور الثامن ..و بقيت هي .
أخذ يغذّ الخطى مجتازاً الممر الضيق نحو شقّته ..لم يكلم أحداً ..بل عبرَ إلى غُرفتِهِ مسرعاً وامسكَ بجهازِ التحكّم يقلّبُ بين الفضائيّات بحثاً عن خبرٍ عاجلٍ فيما استجدّ بين إنجلترا و فرنسا..لم يجد شيئاً ..إنتبَهَ الى المرآةِ في الجانبِ الآخرِ من حُجرتِه ...نظرَ إلى نفسِهِ فضحك...ثمّ ضحك..!