المشهد الثالث
(المذياع العتيق يتربع على الطاولة في غرفة التحقيق, و قد تدلى الضوء فوقه مباشرة, ولف عليه جنزيرمن الحديد , و ازدانت جدرانه بلصاقات طبية)
(موسيقى حزينة تنطلق من المذياع تتخللها خطابات لرجال يمجدون في الحرية و الديمقراطية)
صوت المحقق: شرفت أيها المذياع الخرف الخائن .
المذياع العتيق: أهلا بك أيها الوصولي الغادر .
صوت المحقق(يصيح بشدة): كيف تجرؤ ! و تكلمني بهذه الطريقة يا حقير ؟
المذياع العتيق: لا ترفع صوتك لكيلا تصاب بالفتق , و تثكلك أمك , كما ثكلتك مبادئك .
صوت المحقق: بعد التحقيق سنتواجه
المذياع العتيق: لن أتكلم معك كلمة واحدة , حتى تطلق سراح الصبي المسكين .
صوت المحقق: وما دخلك أنت ؟هل كنت من بقية أهله , أم أنك وصي عليه؟
المذياع العتيق: لا يستطيع أن يتحمل هول الحمام , لا يزال صغيراً , أم أنكم تريدون قتله كما قتلتم أباه ؟
يقاطعه صوت المحقق: اخفض صوتك أيها اللعين , ولا دخل لك فيما لا يعينك .
المذياع العتيق: لو تعاملت بمبدأ ليس لي دخل , لما كنت أنت و غيرك الآن في مناصبكم , ولكنت و إياهم تتسكعون , أو كنتم جالسين في مقهى تندبون حظوظكم .
صوت المحقق: دعنا نتكلم فيما حدث .
المذياع العتيق: لن أنبس ببنت شفة , مالم تطلق سراح هذا المسكين .
صوت المحقق يصرخ بشدة( أطلقوا سراح الصبي و معلم المقهى)
المذياع العتيق: طلبت منك إطلاق سراح الصبي فقط , ولم أطلب منك الإفراج عن -جيمس بندق- عميلكم المصون !
صوت المحقق: قد صار لك ما تريده ,تكلم الآن هاهو الصبي يخرج من الحمام إلى بيته .
المذياع العتيق: عن ماذا تريدني أن أتكلم ,عن الذي جرى اليوم ,أم عن خيبة أمل مذياع عجوز خانه الأمل و الرجاء ,
في أناس مثلكم جاحدون كالقطط ,ناكرون للجميل .
صوت المحقق حانقاً: لا . الظاهر أنه قد حان وقت قص لسانك , لقد صرت وقحاً جداً , ووقاحتك هذه لا تحتمل.
المذياع العتيق: وقاحتي هذه , من صنعتكم أيها المرتزقة , هي التي أيقظتكم من سباتكم ,هي حررتكم من قيودكم.
أغانيّ , هي من زرعت فيكم بذور الحماسة و النضال, كلماتي أزالت غشاوة الظلم عن عيونكم , وكانت مشعلاً لكم , تنير دروبكم المظلمة في ساعات القحط و الجفاف.
صوت المحقق مقاطعاً: وهاأنت تخون الرسالة و تغير بوصلتك .
المذياع العتيق ضاحكاً: والله أنت آخر من يتكلم عن الخيانة يا رجل .
صوت المحقق: ماذا تقصد أيها الانبطاحي الملولب ؟
المذياع العتيق: حارتنا ضيقة , و نعرف بعضنا البعض.
أين رفاق دربك ؟ أين من أقسمت معهم على التغيير ؟ أين أبو الصبي المسكين؟ أين رصانة و حنكة العجوز ليس لي دخل ؟ألم تكونوا معا في خندق واحد ؟
ألم تتقاسموا معا كسرة الخبز في ظهيرة الجوع ؟
(صوت المحقق يصيح): هم من بدلوا , هم من غيروا
المذياع العتيق بحرقة: كلهم تخرجوا من مدرستكم التأديبية على المقابر مباشرة , أو إلى مشفى الأمراض العقلية .
كيف طاوعك قلبك أن تدخل الحمام رجال كنت و إياهم يوما ما تعانون مرارة الاضطهاد و الحرمان؟ أهذا الوفاء و الشيمة و الثورة ؟
صوت المحقق: هزلت ! لا أعرف من هنا المحقق ,أنا أم حضرتك ؟
المذياع: أردتني ان أتكلم , و هاأنذا أتكلم.
صوت المحقق يهمس بقسوة : وللمرة الاخيرة !!!
المذياع: ههههه , سمعتك يا أفعى , وهل تحسبني أتكلم , إلا و أنا واثق أنني سأتكلم للمرة الأخيرة ,ولكني سأتكلم عسى أن يستيقظ فيكم شعور النخوة و الاباء , الذي اغتاله عشق الكرسي , و المنصب , و رنين الذهب.
صوت المحقق: سأجعلك تندم على كل ما قلته, و على خيانتك العظمى اليوم في المقهى .
المذياع العتيق: خيانة , خيانة!! أصبح كل من يختلف معكم بالرأي , خائن و أنتم ملوك القضية .
أهكذا كان كلامك , عندما كنت جائعاً ضائعاً ؟
- كنت تجلس تحت منصتي ,و تستمع إلى ما أنقله لكم عن كفاح الشعوب , و نضال الأمم.
يقاطعه صوت المحقق: أيام سوداء ,لا تذكرني بالماضي الأليم.
المذياع العتيق: لا يشفع لوجودكم إلا ماضيكم , ومن ليس له ماض ,ضاع حاضره.
صوت المحقق: نحن الآن : القانون و المشرع.
المذياع العتيق: بل: أنتم الجلاد , و السجان , و آمر الحمام.
صوت المحقق: خنقتني كلماتك.
المذياع العتيق: بل , خنقتك الحقيقة.
صوت المحقق: ستعدم !
المذياع: آن للعمر أن تطوى صفحته ,وليكن ذلك بكرامة و إباء.
صوت المحقق منادياً( خذوه , عذبوه ,حتى يصبح -لا ينطق إلا بكلمة ليس لي علاقة)
المذياع ساخراً( هذا أخو أم ابن عم ليس لي دخل)
صوت المحقق: لن أدعك تنال الموت , حتى تتمناه.
المذياع العتيق: وهل تسمي هذه حياة يا صاحب الكرش و الجاه ؟ لقد مت منذ زمن , منذ تمزيقكم للميثاق , و خيانتكم الأمانة.
صوت المحقق: ليتفرغ مسؤولوا الحمام جميعهم لضيفنا المذياع الخائن.
المذياع العتيق( يصيح بنفس لهجة المحقق متهكما): والله يلزمك أنت و من معك كل حمامات العالم لتغسل قذارتكم.
تنطفئ الإضاءة , و تنطلق موسيقى ثورية من المذياع ,يعقبها صوت صراخ و صياح ..
نهاية المشهد