أ.د. يوسف رزقة
حلت الذكرى (19) لاتفاقية أوسلو قبل أيام قليلة. الشعب الفلسطيني كله لم يلتفت إلى الذكرى.
وسائل الإعلام الفلسطينية تجاهلتها ولم تحتف بها. رئيس السلطة مهندس الاتفاقية بزعم الزاعمين لم يلتفت إليها، وتخلى عن الفخر بها كمنجز له، أو كمنجز وطني، وسلام فياض يمضغ حصرمها من خلال الاحتجاجات الشعبية، لذا لم يتذكرها، ولم يذكرها، وأمر وسائل إعلام حكومته بالقفز عنها.
الطرف الفلسطيني بكل مكوناته سواء التي وقعت الاتفاقية، أو التي رفضتها صارت أوسلو بالنسبة له خبرًا تاريخيًا منتهيًا، كخبر اتفاقية سايكس بيكو مثلاً. الواقع القائم على الأراضي الفلسطينية المحتلة لم يعد له علاقة بأوسلو. والمثير للانتباه أن الطرف الصهيوني لم يحتف بالذكرى ولم يتذكرها، ولم يغطها الإعلام العبري، لأن الزمن العبري إن صح هذ التعبير تجاوزها، وأجلسها قادتهم على الرفوف.
الوحيد الذي اعتبر (أوسلو) إنجازًا وطنيًا هو محمود عباس وفريق صغير من حركة فتح يكونون اليوم حاشيته وبطانته. ومع ذلك هو يتناساها ويتغافل عنها بعد أن ملأت الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية مدن الضفة وقراها، ونسبت كل الموبقات والمحرمات إلى أوسلو واتفاقية باريس.
في الذكرى (19) لأوسلو، يمكن القول بأن الاتفاقية صفر كبير، وإن مشروع عباس للمفاوضات والتسوية انتهى إلى صفر أكبر بعد أن ضاع العمر، وابيض الشعر، واحدودب الظهر، وخرج الشعب في المنارة وبيت لحم ونابلس والخليل يلعن التاريخ والجغرافيا، وأوسلو وباريس، وينتفض ضد حقل التجارب.
يجدر بنا في الذكرى (19) أن نقول لقادة السلطة إن الشعب الفلسطيني ليس حقلاً لتجارب المغامرين فضلاً عن تجارب السياسيين، وتجارب الغافلين. اتفاقية أوسلو كانت مؤقتة وتجريبية لمدة خمس سنوات، اليوم المؤقت صار مؤبدًا، والمجرب صار مخرَّبًا، ومستخلصات التجريب مرة وفاسدة، ولم يعد فياض وعباس قادرين على شم رائحتها أو الدفاع عنها، بعد أن أفسدت حياة الناس وهددت مستقبلهم.
لست أدري على وجه اليقين ما هي مشاعر محمود عباس وإخوانه من اتفاقية أوسلو في الذكرى (19)، ولكني على يقين أن أحلامهم التي كانت يم التوقيع عليها قد تبددت، واندثرت، واستفاقوا هم والشعب الفلسطيني على صفر كبير عنوانه الفاقع السلام والتسوية، وجوهره الاحتلال والاستيطان.
لو لم تكن أوسلو ما عانى الشعب الفلسطيني من الانقسام، ومن الخلاف والتمزق على مشاريع سياسية متعارضة؟! ولو لم تكن أوسلو لكانت المقاومة الفلسطينية في حالة أفضل في الضفة والقدس وغزة؟! ولو لم تكن أوسلو لكان الموقف العربي أكثر إيجابيًا ودعمًا للحقوق الفلسطينية وللمقاومة؟ ولو لم تكن أوسلو لكان الموقف الدولي أقدر على الضغط من أجل إنهاء الاحتلال؟ ولو لم تكن أوسو لما كان الاستيطان شرسًا وسريعًا؟! يبدو أن الجميع قد أدرك صفات أوسلو العميقة إدراكًا حقيقيًا، لذا وجدته غافلاً عن ذكراها، متمردًا على سدنتها، وعلى مخرجاتها السلبية في احتجاجات غاضبة وغير مسبوقة.